شرعت بلدية خانيونس، جنوب قطاع غزة، بإزالة الركام من محيط قلعة "برقوق"، ضمن مشروع أطلقته بالتعاون مع وزارة الآثار لإعادة ترميم القلعة، نظرًا لما تمثله من قيمة تاريخية وأثرية، باعتبارها واحدة من أقدم القلاع في القطاع.
وتقع القلعة في وسط مدينة خانيونس، وتعرضت خلال اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للمدينة في الفترة ما بين كانون أول/ديسمبر 2023 – نيسان/أبريل 2024 لقصف جوي ومدفعي مكثف، إلى جانب إطلاق آلاف الأعيرة النارية، ما أدى إلى انهيار أجزاء من سورها الجنوبي، بينما تسبب القصف الجوي في تدمير السور الشرقي بالكامل.
كما طالت الاعتداءات الإسرائيلية مآذن المسجد القديم داخل القلعة، وألحق تجريف مدخلها الغربي ضررًا بالغًا، مما أدى إلى فقدان العديد من معالمها التاريخية وسط تراكم الركام في أرجائها.
وأكد جمال أبو ريدة، مدير عام دائرة الآثار في وزارة السياحة في غزة، لـ"قدس برس" أن "التوثيق الأولي لدى الوزارة يثبت أن الاحتلال تعمّد استهداف القلعة وتدمير محيطها منذ الأيام الأولى للعملية البرية التي شنها على خانيونس". وأضاف: "وثّقنا قيام جنود الاحتلال بخطّ عبارات وشعارات تلمودية على جدران القلعة وسورها الخارجي".
وأوضح أبو ريدة أن "استهداف القلعة لم يكن عملاً عشوائيًا، بل جاء في إطار المحاولات الإسرائيلية لطمس التاريخ الفلسطيني وسلب الهوية الوطنية". وتابع: "نجري اتصالات مع الشركاء في المنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو، لحصر الأضرار التي لحقت بالمواقع التاريخية والأثرية، تمهيدًا للشروع في إعادة ترميمها. ننتظر استقرار الأوضاع الأمنية كي يسمح الاحتلال بدخول الخبراء الأجانب إلى غزة للبدء في مهامهم".
ومثّلت القلعة عبر القرون أحد أبرز المعالم الأثرية والتاريخية في مدينة خانيونس، حيث كانت تعدّ استراحة مفتوحة يقصدها آلاف الفلسطينيين يوميًا، كما احتضنت سوقًا صغيرًا وموقفًا للسيارات، وتقابلها "المسجد الكبير"، أحد أبرز المساجد التاريخية في قطاع غزة.
ويعود تاريخ بناء قلعة "برقوق" إلى عام 1387 ميلادية، وكانت تُستخدم آنذاك كاستراحة ونُزل للمسافرين. بناها الأمير يونس بن عبد الله النورزي الداودار، بأمرٍ من السلطان أبي سعيد برقوق، أحد سلاطين العصر المملوكي ومؤسس دولة المماليك البرجية.
وصُممت القلعة بشكل مربع، تحيط بها أسوار وأبراج دفاعية من جهاتها الأربع، وتمتد على مساحة 16 دونمًا (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وتضم طابقين ومسجدًا للصلاة.
وشكّلت القلعة مركزًا هامًا على طريق القوافل التجارية بين دمشق والقاهرة، حيث كان التجار والمسافرون يتوقفون فيها للراحة والتزود بالمؤن، كما كانت توفر الحماية من اللصوص وقطاع الطرق الذين كانوا يعترضون سبيل المسافرين في تلك الحقبة.
وحرصت عائلات خانيونس العريقة، وعلى رأسها آل الآغا والعقاد وشبير، على خدمة القلعة والحفاظ عليها، فيما تولت الدولة العثمانية رعايتها خلال فترة حكمها لبلاد الشام، واستخدمتها كمقر حكومي لفترات طويلة.
واصل الاحتلال خلال عدوانه الأخير على غزة تدمير المعالم الأثرية الفلسطينية، في محاولة لطمس وتغيير هوية المدينة. وبالإضافة إلى قلعة "برقوق"، دمّرت إسرائيل عشرات التلال والمتاحف التاريخية، وأقدم المساجد، وثالث أقدم كنيسة في العالم، كما ألحق العدوان أضرارًا جسيمة بـ 146 بيتًا قديمًا وعشرات المكتبات والمراكز الثقافية.
وانتهكت إسرائيل بذلك كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحظر استهداف الملكية الثقافية، وفي مقدمتها اتفاقية لاهاي لعام 1954، التي تنص على حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة.