دعا خبراء قانونيون إلى ضرورة التوافق التشريعيّ بين قانوني منع الاتّجار بالبشر والعقوبات. لافتين أنّ بعض الأفعال المذكورة في تعريف الاتّجار بالبشر تعتبر جرائم مستقلّة بموجب قانون العقوبات، مثل الخطف والاحتيال وإجبار المرأة على ممارسة البغاء، ممّا يؤدّي إلى تكييف الشكاوى ضمن أوصاف قانونيّة أخرى قد تكون أكثر وضوحًا، مثل الإيذاء وهتك العرض والحرمان من الحرّيّة.
جاء ذلك خلال مؤتمر عقدته "تمكين" الأربعاء، لإطلاق دراسة نفذتها حملت عنوان "تحت المجهر 2: تحليل تشريعات وقضايا الاتّجار بالبشر في الأردنّ لسنة 2020-2023"، وأوصوا بضرورة تعريف مصطلح "التسوّل المنظّم" في قانون منع الاتّجار بالبشر، ذلك لتسهيل تكييف القضايا الّتي تتضمّن شبهة اتّجار بالبشر عند المدّعي العامّ، وطالبوا بإعفاء ضحيّة الاتّجار بالبشر من الغرامات المترتّبة بموجب قانون الإقامة ورسوم تصاريح العمل بأثر رجعيّ إذا رغبت في البقاء في الأردنّ.
المديرة التنفيذيّة لـ "تمكين" لندا كلش، قال إن هنالك تطوّرًا إيجابيًّا بالتشريعات والقوانين والأنظمة الخاصّة بمكافحة الاتّجار بالبشر، من قانون منع الاتّجار بالبشر وغيره من التشريعات ذات العلاقة، إلّا أنّ هنالك تحدّيًا يتمثّل بالإجراءات التنفيذيّة والممارسات على أرض الواقع، وقصورها في حماية الضحايا وملاحقة الجناة، إضافة إلى الافتقار إلى الوقاية المتعلّقة بالقوانين والممارسات، والحماية المتعلّقة بإعادة إدماج الضحايا، وأوضحت أنّ الفئة الأكثر تعرّضًا للاتّجار بالبشر تتمثّل بالعمّال المهاجرين، مؤكّدة أهمّيّة نشر الوعي للتعرّف إلى الجريمة والإبلاغ عنها، والأهمّ من ذلك تنفيذ التشريعات، وإلغاء نظام الكفالة الّذي يعدّ شكلًا من أشكال العبوديّة الحديثة.
وأشارت كلش إلى أنّ هناك العديد من العوائق الّتي تواجه الحدّ من جريمة الاتّجار بالبشر، منها: حصر حالات الجريمة في العمل الجبريّ والأطفال وبيع الأعضاء والعمل في الدعارة، فيما أغفل تزويج القاصرات على سبيل المثال لا الحصر، كذلك قوانين العمل، والعقوبات، والإقامة والأجانب غير منسجمة تمامًا ومتطلّبات مكافحة الاتّجار بالبشر.
وعرضت المستشارة والمحامية المتخصّصة بقضايا الاتّجار بالبشر أسماء عميرة نتائج دراسة "تحليل تشريعات وقضايا الاتّجار بالبشر في الأردنّ لسنة 2020-2023"، لتشير إلى أنّه خلال 4 أعوام استقبلت وحدة مكافحة الاتّجار بالبشر 145 حالة اتّجار/شبهة اتّجار بالبشر، بينما استقبلت "تمكين" 126 حالة اتّجار/شبهة اتّجار بالبشر، وأوردت الدراسة أيضًا الأرقام الواردة على موقع "قسطاس" حيث تبيّن وجود ما يقارب 126 قضيّة أرسلت مباشرة إلى المدّعي العامّ دون المرور بوحدة مكافحة الاتّجار بالبشر، موضّحة أنّ هناك ارتفاعًا في عدد الأحكام بالإدانة في قضايا الاتّجار بالبشر مع ذلك، يعدّل الوصف الجرميّ في بعض الحالات إلى جرائم أقلّ خطورة، ممّا يعكس تحدّيات في إثبات الجريمة بسبب طبيعتها السرّيّة.
وبيّنت الدراسة وفقًا لعميرة أنّ أحكام الإدانة بلغ عددها 52 حكمًا من أصل 172 قضيّة، أما القرارات التي صدر فيها تعديل للوصف الجرميّ للجريمة بلغ عددها 35 قرارًا، الأمر يعدّ مؤشّرًا خطيرًا، فكانت قرارات الحكم تعدّل الوصف الجرميّ من جريمة الاتّجار بالبشر بالاستغلال الجنسيّ إلى جرم إدارة بيت بغاء أو ممارسة الدعارة والبغاء، وهنالك قرارات تعدّل الوصف الجرميّ من جريمة الاتّجار بالبشر إلى مخالفات عمّاليّة بسيطة، وتبنى هذه القرارات عادة على البيّنات المقدّمة في القضيّة، وبسبب خصوصيّة هذه الجريمة عن غيرها من الجرائم ولأنّها عادة ما تمارس في الخفاء يصعب إثباتها ما يؤدّي إلى إفلات الجناة من العقوبة، رغم أنّهم عادة ما يملكون سجلًّا جرمي كبيرًا، وقد يكون عليهم قضايا اتّجار بالبشر سابقة، وصدر بهم أيضًا قرار حكم بتعديل الوصف الجرميّ، وهذا يؤدّي إلى إفلات الجناة من العقوبة وتكرارهم لأفعالهم السابقة، لكن بحذر وبطريقة يتمّ استغلال فيها الثغرات القانونيّة، فعادة يحاول الجاني أن يثبت إدانته بالمخالفات العمّاليّة أو بممارسة الدعارة تهرّبًا من جريمة الاتّجار بالبشر وهروب من العقوبات المفروضة عليهم، أمّا فيما يتعلّق بعدم المسؤوليّة، فقد صدر (13) قرار حكم.
وفيما يتعلّق بمدد المحاكمة، بيّنت الدراسة أنّ هنالك فرقًا كبيرًا وواضح بالأرقام، حيث كان هنالك 93 قضيّة من أصل 172 قضيّة مدّة المحاكمة أكثر من شهر ولغاية 12 شهرًا، و29 قضيّة صدر بها قرار حكم بأقلّ من شهر واحد، وعقّبت الدراسة أنّ قرارات الحكم الّتي صدرت بأقلّ من شهر قد تؤدّي إلى إفلات الجاني من العقوبة، في السياق ذاته جاء في الدراسة أنّ هنالك 18 قضيّة تزيد مدّة المحاكمة بهم عن سنتين، في مؤشّر يدلّ على طول أمد التقاضي وقيام الجاني بالتجوّل وخطورته على المجتمع طوال فترة المحاكمة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ توفير الإقامة المؤقّتة لضحايا الاتّجار بالبشر إلى حين استكمال الإجراءات الضروريّة للتحقيق والمحاكمة للضحيّة، غير محدّدة الإجراءات، ولا تستند إلى قوام واضح، ولا يوجد أيّ حالة تمّ استخراج لها إقامة مؤقّتة، بل تعفى الضحيّة من غرامات تجاوز الإقامة مرفقة بأبعاد صادر عن وزارة الداخليّة، ولا تستطيع الضحيّة البقاء إلّا بصورة غير نظاميّة ومخالفة للقانون.
وحسب الدراسة تواجه ضحايا الاتّجار بالبشر تحدّيات كبيرة، خاصّة فيما يتعلّق بالبقاء في الأردنّ والعمل بصورة نظاميّة، حيث يُجبر الضحايا على دفع رسوم تصاريح العمل بأثر رجعيّ، ممّا يدفعهم للعودة إلى بلدانهم دون أيّة أجور، وهو ما يعتبر عودة جبريّة وليست طوعيّة.
وأوضحت الدراسة أنّ قانون العقوبات الأردنيّ رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته لا يتناول العمل الجبريّ بشكل تفصيليّ إلّا في حالة استخدام الأطفال دون السادسة عشر في التسوّل. كما يجرّم القانون إخفاء أو تدمير الوثائق أو المستندات، ويعاقب على ذلك بالحبس والغرامة أو بكلتا العقوبتين مجتمعتين. ورغم تسجيل 76 حالة عمل جبريّ من أصل 145 حالة شبهة اتّجار بالبشر خلال الأعوام 2020 – 2023، إلّا أنّ القانون لم يتناولها بالقدر الكافي.
وأكّدت الدراسة أنّ طول أمد التقاضي في المحاكم يؤثّر في العدالة وحقوق الأفراد، وقد يؤدّي إلى تأخير حصول الضحيّة على حقوقها وتعويضاتها. كما يمكن أن يؤدّي طول الإجراءات القانونيّة إلى سفر الضحيّة إلى بلادها دون فرصة للدفاع عن حقوقها في المحكمة، مشيرة إلى أنّ من أسباب طول أمد التقاضي المصادقة على قرار المدّعي العامّ، وتغيّب الشهود أو المترجم عن الحضور.
مدير بيت العمّال حمّادة أبو نجمة قال إنّ البيانات المتوفّرة حول جرائم الاتّجار بالبشر تشير إلى أنّ قضايا استغلال غير الأردنيّين في العمل تشكّل الحجم الأكبر من بين أشكال الاتّجار الأخرى، خاصّة في قطاع العمالة، مبيّنًا أنّ مسؤوليّة الحدّ من جرائم الاتّجار بالبشر جزء منها يقع على عاتق مكاتب استقدام عاملات المنازل، وأضاف أنّ المشكلة الحقيقيّة في قضايا الاتّجار بالبشر المتعلّقة بانتهاكات العمل تأتي بسبب عدم إمكانيّة الوصول إلى تقديم الشكوى، هناك قصور في توفير سبل الوصول للجهات، فالعمّال يعانون قدرة التواصل إمّا بسبب خوفهم من أوضاعهم غير القانونيّة، أو من ردّة الفعل الاقتصاديّة للجهات الّتي يعملون فيه"، وأشار أبو نجمة في حديثه إلى القطاع غير المنظّم مبيّنًا أنّ العاملين فيه قد يكونون ضحايا اتّجار بالبشر وعمل جبريّ، وطالب بأن توضع نصوص تشريعيّة لهذه الفئة من العاملين لتنقلهم للعمل في القطاع المنظّم وشمولهم بالحمايات للحدّ من استغلالهم.
مدير وحدة مكافحة الاتّجار بالبشر المقدّم محمّد الخليفات الأزايدة أشار إلى أنّ هنالك 4 محاور تعمل على أساسها الوحدة للحدّ من جريمة الاتّجار وهي: الوقاية، والحماية، والملاحقة القضائيّة، والشراكة والتعاون الدوليّ.
وأكّد الأزايدة على أهمّيّة وجود إحالة وطنيّة لضمان وصول ضحايا هذه الجرائم إلى العدالة وتلبية احتياجاتهم، وتتضمّن العمليّة مراحل رئيسيّة تبدأ بالتعرّف على ضحيّة الاتّجار المحتملة، ثمّ الإيواء في دار مخصّصة تقدّم الحماية والخدمات الصحّيّة والنفسيّة والقانونيّة. تليها مرحلة جمع الأدلّة والتحقيق لتمكين الضحيّة من الوصول إلى العدالة. المرحلة الرابعة تتعلّق بالعودة الطوعيّة حيث تقدّم المساعدة اللازمة للعودة الاختياريّة، وأخيرًا مرحلة إعادة الإدماج لتمكين الضحيّة من استئناف الحياة كعضو فعّال في المجتمع.