مقالات __ كتاب __ صوت جرش
روسيا الاتحادية أكبر من دولة ، فهي قطب شرقي في الأوراسيا – يتوزع بمساحته الجغرافية العملاقة ( أكثر من 18 مليون كلم2 ) بين أوروبا و أسيا ، و يتربع على عرش اقتصاد أسيا ، و ينفتح على شرق و جنوب العالم و على الغرب من وسط توجه تعددية الأقطاب المتوازنة ، و يحتل المرتبة الأولى على مستوى العسكرة النووية ، و هو متقدم بمثيلتها العسكرية التقليدية ، و الفضائية ، و البحرية ، و يمتلك مخزونا ضخما من المصادر الطبيعية ، و يبلغ تعداد سكانه حوالي 150 مليون نسمة . و بينما كانت الأيدولوجيا بزعامة روسيا هي السائدة في عهد الاتحاد السوفيتي ، أصبح الاقتصاد و السياسة هو التوجه السيد . ومن وسط أهمية العلاقت الدولية ، و تواصل الحرب الباردة ، و سباق التسلح بين الشرق و الغرب و بالعكس ، شكل لها توجها تجاه أقطاب و دول العالم ، و مهما كبر أو صغر حجم الدولة المقابلة و المعنية بالنسبة لها ، فهي مهمة ، و التعاون معها مطلوب .
و الوطن العربي تتوزع جغرافيته بين المنطقة الشامية ، و الخليج ، و أفريقيا . و لبنان دولة عربية من دول البحر المتوسط ، تعمل تحت مظلة الجامعة العربية، وهي على تماس مع فلسطين ، و سوريا ، و إسرائيل ، و الأكثر حاجة للسلام مع إسرائيل ، و إسرائيل معها ، حتى من دولتي قطر و السعودية الشقيقتين كما تطالب ادارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة . وحزب الله – المقاومة العربية ذات الطابع الشيعي ، المدعوم من ايران ، مدعو للاندماج مع الجيش اللبناني تماما كما هو الحزب نفسه الممثل في الحكومة اللبنانية ، و لا أحقية لإسرائيل التي تطالب و تخطط لسحب سلاحه ، وما زالت تلال و مزارع شبعا محتلة من قبل إسرائيل ، و متواجدة في جنوبه . و الموقع الجيو سياسي للبنان تغير كما هو ملاحظ بعد سقوط نظام الأسد بتاريخ 8 ديسيمبر 2023 ،و اجتثاث الحضور الايراني من سوريا ،و تراجع مثيله العسكري الروسي على مستوى قاعدتي حميميم و طرطوس مع بدء تحديد دورهما و تحويله إلى تقديم المساعدات الإنسانية من خلالهما،وما له علاقة بالانتشار داخل سوريا وعلى حدودها .
و لبنان – جمهوري طوائفي ، و يسمى ببلد الأرز البيضاء المكللة بالثلوج ،و نسيجه مسيحي مسلم و بالتساوي ، وعمقه الحضاري فينيقي كنعاني يعود للألف الثالث قبل الميلاد ، وسيطرة عثمانية لاحقة في الأعوام 1914 / 1918، و عدد سكانه أكثر من 5 ملايين نسمة ،و مهاجريه كثر ، و مساحته أكثر من 10 الاف كلم2 ،و هو منفتح على الإقليم و العالم ، و العلاقة مع روسيا مهمة له تماما كما كانت في الحقبة السوفيتية ، و شهد عامي 1943 /1944 حضورا سوفيتيا فيه ، ساهم بإخراج فرنسا و إنجلترا منه ،و برلمانه مسيحي و مسلم منذ البداية ، و يسجل للاتحاد السوفيتي وقوفه إلى جانب لبنان في حربه الأهلية في الأعوام 1975 / 1989 ، وهي الحرب التي استغلتها إسرائيل لاجتياح لبنان لاستهداف منظمة التحرير الفلسطينية وقتها ، متسببة في اقتحام بيروت ، و ارتكاب مجزرة صبرا و شاتيلا فيها ، و هو الاجتياح الذي استمر حتى عام 2000 مع ابقاء احتلاله لمزارع شبعا وتلال كفر شوبا .
وعمق العلاقات الروسية – اللبنانية تعود لعام 1773 مع نهاية الحرب الروسية – التركية لصالح روسيا ، ووصول البحرية الروسية لميناء بيروت . و أول قنصلية روسية عملت في العاصمة اللبنانية عام 1839 ، و افتتحت السفارة السوفيتية أعمالها عام 1956 ، وواصل لبنان علاقاته الدبلوماسية مع روسيا عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، ووصل رفيق الحريري الملياردير اللبناني المعروف إلى موسكو عام 1997 ، وكرر زياراته لها عامي 2001 و 2003 . وزار وزير خارجية لبنان فارس بويز موسكو عام 1998 ، وزارها عصام فارس أيضا نائب رئيس الوزراء حينها ، وو صل إليها وزير خارجية لبنان جان عبيد عام 2003 ، وزارها عام 2006 فؤاد السنيورة .وزار لبنان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية عامي 2004 / 2006 ، وزارها وزير الدفاع اللبناني ، ووليد جنبلاط ، و سعد الحريري عام 2006 .
وبالتعاون مع صندوق رفيق الحريري ساهمت روسيا في إعادة بناء البنية التحتية اللبنانية بعد الحرب الأهلية الطويلة المدمرة ،و حاجة لبنان للاستقرار مهمة اليوم ، وهي محاطة بمنطقة هائجة و مائجة و غير مستقرة ، سوريا من طرف ، و فلسطين من طرف اخر ، و إسرائيل من طرف ثالث . وفي ظل غياب الوحدة العربية الحقيقية يجد لبنان نفسه أمام تحديات سياسية و اقتصادية كبيرة . و لقد أرهقت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة لبنان ومنعته من النهوض ومواصلة البناء . و بما أن العلاقات الدولية ميزان ، تبقى العلاقة اللبنانية – الروسية قبة الميزان ، ولايوجد ما يمنع لبنان من المحافظة على الانفتاح العالمي ، ومع كبريات دول العالم الأخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، و الصين ، و أوروبا و أفريقيا ، و اليابان و غيرها .
لم يحظى لبنان بنظام ملكي من العائلة المارونية بعد الحقبة الفرنسية عام 1946 ، أي بعد الاستقلال ، و توجه لبناء نظام جمهوري يرتكز على الطائفية و الحزبية و التوازن الديني المسيحي المسلم ، وحظيت العائلة المارونية بنصيب الأسد في لبنان . وحكم لبنان ثمانية رؤساء في عهد الانتداب الفرنسي من شارل دباس إلى بشارة خوري ، و سبعة عشر رئيسا بين فترة الاستقلال و حتى مطلع العام 2025 ، من عهد إميل ده حتى عهد جوزيف عون الحالي ، و الجولات الرئاسية اللبنانية الأخيرة استمرت 17 شهرا ،ومنصب رئيس الجمهورية اللبنانية أنشيء أول مرة أثناء الانتداب الفرنسي عام 1926 ، و الميثاق الوطني عام 1943 أقر بأن يكون الرئيس مسيحي ماروني ،و هو المسؤول عن حماية الدستور و يقود رئاسة الوزراء و الجيش .
ولقد شهد القرن الثامن عشر اقتراب روسيا من لبنان عبر البطريكية الأرثوذكسية ،و ظهرت أول قنصلية روسية في القرن التاسع عشر ، و في القرن العشرين أقام لبنان علاقاته الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي ، وفي عام 1946 استخدم الاتحاد السوفيتي ( الفيتو ) دفاعا عن استقلال لبنان ، و أول سفارة روسية في بيروت أنشئت عام 1956 ، وهي نشيطة ، و يقودها الان سعادة السفير الروسي الكسندر روداكوف . و تم تأسيس المركز الثقافي الروسي في بيروت عام 1981 ، وقاد فترته الذهبية لاحقا الدكتور فاديم زايجيكوف من مؤسسة التعاون الروسي في موسكو،وهو الذي قاده بنجاح في العاصمة الأردنية عمان ، و يقوده الان الكسندر سروكين ، ووقفت روسيا مؤخرا مع استعجال انتخاب رئيس جمهورية حتى لا يذهب لبنان إلى الفوضى . و لبنان بلد عربي شقيق يلقبه العرب بسويسرا الشرق ، و لقد عانى من حروب متكررة مع إسرائيل ، واللبناني مثقف راقي ومحب لوطنه لبنان و لكل بلاد العرب ، و لهجته اللغوية مميزة و جميلة .