أخذت الروائية الكورية هان كانغ أدب بلادها الى العالمية باقتناص جائزة نوبل 2024. وكان متوقعاً أن تفوز الروائية الصينية كان تشيويه بالجائزة، وكلاهما آسيويتان. قبل ذلك التاريخ، لم يكن من مكان للغات الصعبة أن تدخل في منافسة على جائزة بوزن نوبل، وإن سعت دور نشر بينها عربية للانفتاح على ترجمات تكشف ماذا يدور في تلك البلاد التي تعيش حالات خاصة في السياسة والأدب والاجتماع.
هكذا لمع نجم هان كانغ في الأوساط الأدبية حول العالم، حين ترجمت روايتها "لا أقول وداعاً" لأكثر من لغة متحدثة عن مجزرة وقعت في "جيجو"، ومتناولة النضال الطويل والصامت للناجين من المذبحة إبان الاستعمار الياباني للجزيرة. كتبت بعد غياب خمسة أعوام عن الساحة الثقافية، متناولة بوجع ألم الانسان الذي يفقد عزيزاً. ينتظره لأعوام ولا يأتي ولا يعرف من بقي على قيد الحياة. هذا الوجع المتنقل حول العالم جعل روايتها أشبه بغرزة دبوس في ذاكرة قرّائها من مختلف أصقاع العالم، حيث المجازر تحصل في كل مكان.
اختارت الروائية أن تكون بطلتها "نبتة" في عملها الروائي "النباتية". رواية فازت العام الفائت بجائزة مان بوكر الدولية، وحرصت من خلالها أن تواجه العنف البشري في مقابل التشكيك بوجود البراءة الإنسانية، معرّية النظام الأبوي البطريركي في كوريا حيث لا كلمة للمرأة. ومن رحم الفقدان كتبت عن شقيقتها التي ماتت بعد ساعتين من الولادة. وبالتدريج، أخذت القارئ الى تلك المصادمات التي تقع بين الزوجين، مستدرجة إياه إلى مرض المرأة النفسي والحدود الأخيرة للألم.
ولا تختلف هواجس هان كانغ عن الصينية كان تشيويه. وكلاهما أثارتا اهتمام اللجنة الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، في زمن ينتصر فيه الذكاء الاصطناعي على الإنسان، فكان أن انتصرتا من خلال الكلمة والإحساس وهواجس الداخل بالفوز بمكانة "ذهبية" في دنيا الفنون.
عاشت كان تشيويه التشرد والنفي والجوع ومشت حافية القدمين بعد أن كان والديها أهم ناشرين في الصين لمجرد اتهامهما بـ"ميول شيوعية". وكان هانغ ابنة الروائي الشهير
هان سيونغ وون، وشقيقة الروائي هان دونغ ريم، ومن مكتبتهما تعلمت كيف تتمرد على الكلمة وتنتصر للمظلوم، تماماً كما دفعت بطلتها في "النباتية" للتمرد على زوجها في أن تمتنع عن أكل اللحوم وتسعى إلى أن تتحول لشجرة غير آبهة باتهامها بقصور عقلي.
وبفوز كاتبة من كوريا الجنوبية، والثناء على روايات الصينية كان تشيويه الـ29، تنحى الأكاديمية السويدية إلى أخذ إجازة من العالم المادي المليء بالضجيج والذكاء الاحتيالي لتنحى نحو أدب يميل من خلاله الكتّاب وشخصياتهم إلى الخير العام والفضيلة والخصال الحسنة.