الهجرة المعززة بشرياً تعمل على مساعدة الفراشات الملكية في البقاء على قيد الحياة عبر إنشاء موائل جديدة لها على ارتفاعات أعلى مما اعتادته تقليدياً، كي تستطيع مواجهة تغيّر المناخ والاحتباس الحراري.
تعمل الهجرة المعززة بشرياً على مساعدة الفراشات الملكية في البقاء على قيد الحياة عبر إنشاء موائل جديدة لها على ارتفاعات أعلى مما اعتادته تقليدياً، كي تستطيع مواجهة تغيّر المناخ والاحتباس الحراري.
ويعكف العلماء على دراسة تأثيرات الاحتباس الحراري على تلك الفراشات، التي تُعتبر هجراتها العظيمة من عجائب الطبيعة. إذ تهاجر سنوياً من شمال الولايات المتحدة وجنوب كندا نحو جبال وسط المكسيك، تقطع نحو 4800 كيلومتر لقضاء فصل الشتاء في غابات التنوب المقدّس المستقرة في مرتفعات تصل إلى 3550 متراً، توفر ملاذاً دافئاً وضرورياً لصمودها.
في المقابل، يهدّد الاحتباس الحراري بتغيير مواقع هذه الغابات تدريجياً إلى مرتفعات أعلى، ما قد يؤدي إلى فقدان الفراشات الملكية لموائلها الحاضنة على المدى الطويل. ويتوقع الباحثون أن تصل الغابات إلى قمم الجبال في غضون 66 عاماً، ما يفسح مجالاً محدوداً للغاية لأي توسع تصاعدي لاحق. وفي ظل هذه التوقعات، بات من الضروري استكشاف سبل بديلة لضمان استمرارية هذه الموائل.
"الهجرة بمساعدة البشر" كاستراتيجية للحفاظ على الفراشات
طرح الدكتور كيوتيموك ساينز-روميرو، الأستاذ في "جامعة ميشواكانا دي سان نيكولاس دي هيدالغو"، حلاً مبتكراً يتمثّل في زرع شتلات التنوب المقدّس في مواقع أعلى. وأوضح ساينز-روميرو الذي يرأس فريق البحث المنشور في مجلة "الحدود في الغابات والتغيّر العالمي" Frontiers in Forests and Global Change ، أن هذه المبادرة التي تُعرف بـ"الهجرة بمساعدة البشر" تعتمد على زراعة شتلات من التنوب المقدّس على ارتفاعات تتراوح بين 3400 و4000 متر على منحدرات بركان "نيفادو دي تولوكا". ومن المتوقع أن تصبح مناخاتها مماثلة لمواقع غابات التنوب الحالية مع حلول عام 2060.
وفي عام 2017، جمع الفريق بذوراً من شجر التنوب المقدّس في محمية للفراشات الملكية، وزرعوها في أماكن عدة لتهيئتها للظروف الجديدة. ثم نُقلت الشتلات إلى أربعة مواقع على ارتفاعات مختلفة من منحدرات بركان "نيفادو دي تولوكا"، حيث زرع الباحثون 960 شتلة على ارتفاعات تزيد بقرابة 450 متراً عن الموائل التقليدية للفراشات الملكية.
رصد أداء الشتلات وتحدّيات النمو
بهدف تقييم نجاح المشروع، تابع ساينز-روميرو وزملاؤه نمو الشتلات كل شهرين، بداية من أيلول (سبتمبر) 2021 وحتى كانون الأول (ديسمبر) 2023. وجرى قياس معدل صمودها وارتفاعها وقطرها. وأظهرت النتائج تدهوراً في نموها عندما زُرعت الشتلات على ارتفاعات أكثر برودة، إذ انخفض بشكل ملحوظ على ارتفاع 4000 متر، وظهرت عليها علامات التلف بسبب الصقيع.
وعلى ارتفاعات بين 3600 و3800 متر، عانت الشتلات انخفاضاً في النمو العمودي والكتلة الحيوية بـ54% و27% على التوالي، بالمقارنة مع نمو نظيراتها عند الارتفاع الأساسي البالغ 3400 متر. ومع ذلك، وُصف معدل الصمود عند هذه الارتفاعات بأنه "مقبول جداً"، ما يعطي أملاً بقدرة الفراشات على الاعتماد على هذه المواقع كموائل بديلة في المستقبل.
آفاق الاستمرارية المستقبلية
يؤكّد ساينز-روميرو أن إنشاء هذه المناطق الجديدة لا يُغني عن الجهود المستمرة للحفاظ على موائل الفراشات التقليدية، بل ينبغي أن يتكامل النهجان كلاهما، ويحظيان بالاهتمام نفسه. ويضيف أن الفراشات شرعت بالفعل في البحث عن مواقع شتوية بديلة حول "نيفادو دي تولوكا".
وختاماً، يبدي الباحثون تفاؤلهم بأن تنمو الشتلات المزروعة لتشكل موائل ملائمة للفراشات الملكية، ما سيضمن استمرارية تلك الهجرة المدهشة على الرغم من التحدّيات المناخية القاسية.