هيفاء غيث
شهدت أسواق العملات العالمية في عام 2024 تقلبات حادة، نتيجة لعوامل اقتصادية وجيوسياسية معقدة، حيث تتأثر العملات بتغيرات أسعار الفائدة، ومعدلات التضخم، اضافة الى الأزمات الجيوسياسية، والسياسات النقدية للدول الكبرى، وتستمر هذه التقلبات في التأثير على التجارة الدولية، تدفقات رأس المال، واستقرار الاقتصاد العالمي.
أسباب تقلبات العملات في 2024
• رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى
في مواجهة التضخم المرتفع، استمرت البنوك المركزية الكبرى، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، في رفع أسعار الفائدة بشكل كبير خلال عام 2024، حيث تهدف هذه السياسات النقدية الصارمة إلى كبح التضخم، لكنها زادت من الطلب على العملات الصعبة مثل الدولار الأمريكي واليورو.
كما شهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا مقابل العملات الأخرى، حيث ارتفع مؤشر الدولار (DXY) بنسبة 5.6% منذ بداية العام وحتى الربع الثاني من 2024.
وسجل اليورو أيضًا زيادة بنسبة 3.4% مقابل العديد من العملات العالمية نتيجة لتشديد السياسة النقدية الأوروبية.
• التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على العملات
التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وخاصة الحروب المستمرة في غزة واوكرانيا و، أدت إلى تراجع قيمة العديد من العملات في الأسواق الناشئة، كما أن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين وفرض عقوبات متبادلة على الشركات التقنية والصناعات الرئيسية ساهم في تقلبات أسواق العملات.
فعلى سبيل المثال، انخفض الروبل الروسي بنسبة 15% في عام 2024، نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية وتراجع صادرات الطاقة.
في المقابل، شهد اليوان الصيني انخفاضًا بنسبة 7.2% مقابل الدولار الأمريكي، نتيجة للضغوط الاقتصادية والقيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة.
• التضخم العالمي وتأثيره على العملات
استمر التضخم العالمي في الضغط على العديد من العملات، حيث شهدت الدول التي تعاني من تضخم مرتفع، مثل تركيا والأرجنتين تراجعًا كبيرًا في قيمة عملاتها.
حيث انخفضت الليرة التركية بنسبة 20% في عام 2024، مدفوعة بارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 45%، مما أدى إلى فقدان الثقة في العملة المحلية.
كما خسر البيزو الأرجنتيني أكثر من 35% من قيمته أمام الدولار نتيجة للتضخم الذي وصل إلى 120% في النصف الأول من العام.
تأثيرات تقلبات العملات على الاقتصاد العالمي
• تأثيرها على التجارة الدولية
تؤثر تقلبات العملات بشكل مباشر على التجارة الدولية، حيث تصبح الواردات أكثر تكلفة في الدول التي تتراجع عملاتها، بينما تصبح الصادرات أكثر جاذبية، على سبيل المثال، أدى ارتفاع الدولار إلى زيادة تكلفة الواردات للعديد من الدول النامية التي تعتمد على السلع المستوردة مثل الطاقة والمواد الخام.
في الهند، التي تستورد نسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية، ارتفعت تكاليف الاستيراد بنسبة 10% نتيجة ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي.
في المقابل، استفادت الدول المصدرة مثل اليابان من انخفاض قيمة الين الياباني، حيث زادت صادراتها بنسبة 6% خلال الربع الأول من 2024، مما ساعد على تعزيز النمو الاقتصادي في البلاد.
• تأثيرها على تدفقات رأس المال
أدى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحويل تدفقات رأس المال من الأسواق الناشئة إلى الأسواق المتقدمة، حيث يسعى المستثمرون إلى عوائد أعلى وأصول أكثر أمانًا، والذي بدوره تسبب في تراجع العملات المحلية وزيادة تكاليف الاقتراض في الأسواق الناشئة.
البرازيل، على سبيل المثال، شهدت هروبًا لرأس المال بنسبة 5% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما أدى إلى انخفاض الريال البرازيلي بنسبة 8% مقابل الدولار الأمريكي.
• ارتفاع تكاليف خدمة الديون الخارجية
تواجه العديد من الدول النامية، التي تقترض بالعملات الأجنبية، ضغوطًا مالية هائلة نتيجة لتقلبات العملات، حيث يجعل ارتفاع قيمة الدولار واليورو خدمة الديون الخارجية أكثر تكلفة، مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد.
أما في مصر، حيث تجاوزت الديون الخارجية 165 مليار دولار في عام 2024، ارتفعت تكاليف خدمة الدين بنسبة 12% نتيجة لتراجع الجنيه المصري بنسبة 10% مقابل الدولار.
بينما الباكستان، التي تعاني من أزمة ديون كبيرة، طلبت إعادة هيكلة الديون بعد أن شهدت الروبية الباكستانية انخفاضًا بنسبة 18% خلال الربع الأول من 2024.
العملات الرقمية وتأثيرها على التقلبات
إلى جانب العملات التقليدية، شهدت العملات الرقمية اهتمامًا متزايدًا من قبل المستثمرين في عام 2024، فبعض العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثيريوم أصبحت ملاذًا آمنًا للمستثمرين في ظل التقلبات في العملات التقليدية، حيث ارتفع البيتكوين بنسبة 35% هذا العام ، واعتبره بعض المستثمرين ملاذًا آمنًا بعيدًا عن تقلبات العملات الورقية، مما أدى إلى زيادة الطلب على العملات الرقمية وتوفير بدائل للمستثمرين الذين يسعون للتحوط ضد تقلبات العملات التقليدية.
الحلول الممكنة للحد من التقلبات في أسواق العملات
تعزيز التعاون الدولي من خلال التعاون بين البنوك المركزية الكبرى لتنسيق السياسات النقدية وتجنب التباينات الكبيرة في أسعار الفائدة التي تؤدي إلى تقلبات حادة في العملات.
بالاضافة لدعم الاقتصادات الناشئة من خلال تقديم دعم مالي وفني من قبل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمساعدة الدول النامية على تحسين استقرار عملاتها.
كما يجب على الشركات التي تعتمد على التجارة الدولية أو الاقتراض بالعملات الأجنبية تطوير استراتيجيات تحوط قوية لحماية نفسها من تقلبات العملات.
تظل تقلبات العملات في عام 2024 قضية معقدة تؤثر على مختلف جوانب الاقتصاد العالمي، ومع استمرار عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي، فإنه من المرجح أن تظل هذه التقلبات قائمة، وستبقى الدول النامية بشكل خاص تواجه ضغوطًا كبيرة نتيجة لارتفاع تكلفة الاقتراض وهروب رأس المال، بينما تستفيد الدول الصناعية الكبرى من تدفقات رأس المال إليها.
في ظل هذه التحديات، على ماذا ستعتمد إدارة التقلبات وضمان استقرار الأسواق العالمية؟ وهل ستقوم الحكومات والمؤسسات المالية الدولية بالسيطرة على هذه التقلبات؟