على الرغم من اكتشافات متوالية بشأنها، ما زال الغموض محيطاً بظاهرة الارتفاع المفاجئ لحرارة أشعة الشمس عند إكليلها الخارجي، بعد "برودة" نسبية عند سطحها.
على الرغم من اكتشافات متوالية بشأنها، ما زال الغموض محيطاً بظاهرة الارتفاع المفاجئ لحرارة أشعة الشمس عند إكليلها الخارجي، بعد "برودة" نسبية عند سطحها.
ثمة حرارة هائلة في الشمس تتأتّى من تفاعلات نوويّة في قلب فرنها الذي تقارب سخونته الـ16 مليون درجة مئويّة. وعلى نحو تتوقعه القوانين العلمية عن الحرارة والحركة، فإن تلك الألسنة النووية الملتهبة تبرد قليلاً حينما تصل إلى سطحها الخارجي، فتسجل قرابة نصف مليون درجة مئوية.
وفي المقابل، على عكس قوانين الفيزياء التي يعرفها البشر، تعود حرارة الشمس إلى الارتفاع مجدّداً حينما تخرج من سطحها إلى المنطقة المحيطة بها (تُعرف بأسماء كالهالة والإكليل والتاج) فتصل إلى ما يتراوح بين 1.8 و3.6 ملايين رجة مئوية، وفق تقديرات حُدِّثَت في أواخر العام 2023. وتحدث عملية إعادة التسخين بطريقة غامضة، لأنه لا يوجد مصدر معروف لتلك الحرارة المستجدة!
مصدر مجهول لطاقة ملتوية
ولا تتوقف الجهود العلمية الرامية إلى محاولة تفسير ذلك الارتفاع الحراري المفاجئ. وتذكيراً، ففي العام 2017، أطلقت "وكالة الفضاء الأوروبية" المركبة الفضائية "سولار أوربيتر" Solar Orbiter، كي تراقب تلك الظاهرة عبر تقديم صور تفصيلية. ومذذاك، تتالت الصور وحملت معها معلومات هائلة استند إليها العلماء لتطوير مفاهيمهم عن تلك الظاهرة، من دون حسم نهائي بشأنها. وفي أواخر صيف العام 2024، قدم علماء تفسيراً آخر لتلك الظاهرة، لكنهم تحفظوا بشأن اعتبار ما توصلوا إليه تفسيراً حاسماً عن تلك الظاهرة.
إذاً، من أين تأتي كل تلك الطاقة التي تعيد تسخين الموجات الخارجة من سطح الشمس إلى إكليلها الملتهب، وتُضاعِف قوته بمقدار 200 مرّة؟
وهنالك نقاش علمي متشابك حول كيفيّة انتقال الحرارة من قلب الشمس إلى سطحها، قبل أن يشع بقوة مذهلة عند سطحها، على الرغم من شبه توافق على أن الحقل المغناطيسي الهائل للشمس هو المسؤول عن ذلك الانتقال.
وكذلك تطرح مجموعة من العلماء تفسيراً لتلك الظاهرة استناداً إلى نوع خاص من الموجات الشمسية تُعرف باسم "ألففين" Alfvén wave. وتمثِّل تموّجاً إلتوائياً يخترق خطوط الحقل المغناطيسي للشمس. ودُرسَتْ تلك الظاهرة في مختبرات الفيزيائيّين وعلماء الذرة، لكنهم لم يكتشفوا وجودها في خطوط الحقل المغناطيسي للشمس إلّا في الآونة الأخيرة. وفي المقابل، ما زال الغموض محيطاً بمدى تحمّلها المسؤولية الكاملة عن نقل الطاقة من فرن الشمس إلى إكليلها، وبكمية تكفي لإعادة تسخينها بعد "برودتها" النسبيّة عند سطح الشمس!
وتقدم ثُلّة أخرى من العلماء تفسيراً بديلاً عن موجات "ألففين". ويشيرون إلى التوهّجات الدقيقة التي تُنتَج حينما تعود خطوط حقل الجاذبية إلى التقاطع مع بعضها البعض عند الهالة الخارجية للشمس. وفي خضم تلك العملية، تتشابك تلك الخطوط بشكل كثيف، وتبقى جذورها ممتدة إلى قلب الشمس، ما يعطيها القدرة على تخزين كميات هائلة من الحرارة، ومعاودة نقلها إلى هالة الشمس.
بانتظار كلمة الفصل
وخلال السنوات الماضية، أحرز مختصّون في دراسات الشمس تقدّماً في تفسير ظاهرة ارتفاع حرارة إكليل الشمس، بفضل المعلومات التي سجّلتها مركبة الفضاء اليابانية "هاينود"و"مرصد ديناميكية الشمس" التابع لوكالة "ناسا" الأميركية للفضاء.
في المقابل، تتمتع الموجات التي يُعتقد أنها تمدّ الهالة بالطاقة، بسرعة هائلة، ما يُصعّب رصدها وتحديد كميّتها عن طريق المعدات المستخدمة حالياً.
وقد أطلقت وكالات فضاء دولية مركبات وتلسكوبات مختلفة خلال العقد الثاني من القرن 21، تسهم في رصد إكليل الشمس.
في ذلك الإطار، برز "التلسكوب الشمسي المتطوّر التقنية" Advanced Technology Solar Telescope (ATST) الذي أُرسي في مدينة "هاليكالا" بجزر هاواي، الذي أُنجِز في العام 2021. تفوق عدساته بأضعاف ما تحوزه أضخم التلسكوبات الشمسيّة المماثلة. وفي 2023، تبدّل اسمه فصار "التلسكوب الشمسي دانيال ك. إينويي" Daniel K. Inouye Solar Telescope. وتتعاون في إدارة أعماله العلمية مجموعة ضخمة من الجامعات والمؤسسات البحثية الأميركية. ويعتقد كثيرون أنه قد ينطق بالكلمة الفصل بشأن ظاهرة توهج الإكليل الشمسي.