هكذا إذاً، وفي اليوم الأول من العد التنازلي للأيام العشرين قبل تسلم دونالد ترامب مقاليد الرئاسة مجدداً، افتتحت الولايات المتحدة الساعات الأولى من عامها الجديد، الأربعاء، بهجومَين منفصلَين في الشكل والجغرافيا، ثم سرعان ما بدأت الخيوط تربط بينهما، لتبدأ معها الإثارة الأميركية المعهودة التي ستشغل الإعلام الأميركي بشدة للأيام المقبلة.
الهجوم الأول وقع في شارع بوربون في الحي الفرنسي من نيو أورلينز. شاحنة فورد 150 لايتنينغ تجاوزت حاجز شرطة يقطع الطريق إلى شارع يعج طوال أيام السنة بسياح يسعون إلى الاستمتاع بطعام المدينة الجنوبية الشهيرة بكحولها وموسيقى الجاز التي تصدح من كل ركن فيها. دهس السائق الذي تبين أن اسمه شمس الدين جبار (42 سنة) المشاة وفتح النار عليهم فقتل 15 وجرح آخرين قبل أن ترديه الشرطة. جبار أميركي أسود بالولادة، عسكري متقاعد، انتقل إلى الإسلام قبل وقت طويل، ويعيش في منطقة ذات غالبية مسلمة في مدينة هيوستن في ولاية تكساس.
الحدث الثاني وقع بعد ساعات قليلة في لاس فيغاس في ولاية نيفادا. ليس واضحاً بعد ما إذا كانت نية العسكري الأميركي الأبيض ماثيو ليفلسبرغر (37 عاماً) تنفيذ هجوم كما حدث أو أن خللاً ما أدى إلى انفجار شاحنة سايبرتراك الكهربائية، المحشوة بمفرقعات نارية وعبوات غاز أمام فندق "ترامب انترناشيونال" في لاس فيغاس بينما هو في داخلها، فقُتل على الفور وأصيب بعض الموجودين بجراح جراء الانفجار.
نقاط التشابه التي تربط منفذي الاعتداءين كثيرة. كلاهما عسكري، أحدهما (جبار) متقاعد، والآخر كان لا يزال في الخدمة. خدما في القاعدة العسكرية نفسها معاً. كلاهما استأجر شاحنته الكهربائية عبر تطبيق "تورو" الذي يتيح لأي مالك سيارة تأجيرها لمن يطلبها، ضمن بضعة شروط لا تختلف تقنياً عن شروط شركات التأجير العادية. كلاهما يجيد تصنيع المتفجرات "منزلياً"، أي بمواد يمكن شراؤها من السوق أو عبر الإنترنت. توقيت الهجومين أيضاً، يبدو منسقاً، في الساعات الأولى من العام الجديد، في مكانين هما في أعلى لائحة المناطق السياحية في أميركا، نيو أورلينز ولاس فيغاس. وإذا كان جبار ترك رسالة مادية ملموسة في شاحنته، علم "داعش"، فإن رسالة الثاني هي في كون الشاحنة نفسها من صنع "تسلا" التي يملكها إيلون ماسك، وقد انفجرت أمام فندق ترامب، لصاحبه الذي عقد حلفاً مع ماسك نفسه، كان من بين أسباب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وجلب ماسك معه إلى دائرة صنعت من أجله، وهدفها القضاء على "الهدر" الفيدرالي.
ليس لدى المشتبه بهما خلفية جنائية، وبينما التحقيقات تتوسع لمعرفة ما إذا كان جبار عمل وحده أو تلقى مساعدة في تنفيذ هجومه الذي وصفه الرئيس جو بايدن بأنه "إرهابي"، أعلنت السلطات أن تفجير لاس فيغاس "حادثة فردية"، مع عدم البت في ما إذا كانت "إرهابية" أم لا.
إيلون ماسك كان أول المتفاعلين مع تفجير الشاحنة التي تنتجها شركته والتي تفخر بأنها "تصلح لأي كوكب". الشاحنة بتصميمها المستقبلي الجريء يبلغ ثمنها نحو 100 ألف دولار، وانفجار بطاريتها العملاقة من دون تدخل، ليس أقل من كارثة على الشركة العملاقة. بعدما اطمأن الملياردير إلى أن لا علاقة للشاحنة نفسها بالتفجير، بدأ بمهاجمة وسائل الإعلام التي ركزت على اسم "تسلا" الكهربائية في خبر لاس فيغاس، بينما لم تذكر أن شاحنة نيو أورلينز من صنع "فورد" المنافسة.
ترامب، وفي لمحة عن الفترة المقبلة من رئاسته التي باتت قاب قوسين، كتب في منصته متهماً بايدن وسياسته "للحدود المفتوحة" بتأجيج مخاطر "إرهاب الإسلام الراديكالي" التي وصلت إلى أميركا بطريقة "أسوأ مما نتخيل". هذا على رغم أن منفذَي الهجوم مولودان على الأرض الأميركية، وخدما في القوات المسلحة، وعلى الأرجح أنهما غرفا من العنف الأميركي "العادي" الذي غالباً ما يجد أساليبه في التعبير عن نفسه، بغضّ النظر عن الإسلام والمهاجرين غير الشرعيين، وأبلغ دليل على هذا، محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب نفسه، وكان بطلَها شاب أميركي أبيض، لا يمكن تمييزه عن عشرات الملايين من أمثاله، لا بلون البشرة، ولا بشجرة العائلة الأميركية أباً عن جد، ولا بالمكان الذي يذهب إليه ليصلي.