فرانسيسكا موسى
في زحام الحياة وانشغالاتها، ننسى أحيانًا أن نتوقف للحظة ونقدّر النِّعَم التي تحيط بنا. نلهث خلف المزيد، نبحث عمّا ينقصنا، ونغفل أن ما نملكه اليوم كان يومًا مجرد حلم راودنا. وهنا يأتي الامتنان، ليس كمجرد شعور عابر، بل كأسلوب حياة قادر على تغيير واقعنا بالكامل. إنه القوة التي تحوّل العادي إلى استثنائي، والتحديات إلى فرص، والمعاناة إلى دروس تضيف إلى أرواحنا حكمة وعمقًا.
الامتنان ليس مجرد كلمات نرددها، بل هو إدراك عميق لقيمة ما نملك، حتى لو بدا بسيطًا أو مألوفًا. عندما نعيش بامتنان، فإننا لا نرى الحياة من منظور النقص والحرمان، بل بعيون الامتلاء والبركة. هذا الشعور يولّد داخلنا إحساسًا بالرضا، ويمنحنا طاقة إيجابية تجعلنا أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة وثبات. كم مرة اشتكينا مما ينقصنا، دون أن ندرك أننا نعيش اليوم ما كان يومًا أمنية لغيرنا؟ وكم مرة ركزنا على الألم، ونسينا أننا أقوى منه، وأننا لا نُهزم، بل نُبعث من جديد مع كل سقوط؟ الامتنان ليس مجرد اعتراف بالجميل، بل هو ثورة داخلية تحوّل النقص إلى كمال، واليوم العادي إلى لحظة تستحق الاحتفاء. عندما نتبنى الامتنان كأسلوب حياة، نبدأ في رؤية الأمور من منظور مختلف. لا تعود الصعوبات مجرد عقبات تعترض طريقنا، بل تصبح جسورًا نعبر بها نحو مراحل جديدة من النمو والتطور. الألم، رغم قسوته، يمكن أن يكون معلمًا عظيمًا، يحمل في طياته دروسًا لا يدركها إلا من ينظر إليه بعين الامتنان. كم من شخص ظن أن فقدان وظيفة أو علاقة هو نهاية الطريق، لكنه اكتشف لاحقًا أنها كانت بداية جديدة لمسار أفضل؟ وكم من محنة بدت وكأنها عقاب، لكنها كانت في الحقيقة فرصة لإعادة اكتشاف الذات والانطلاق بقوة نحو مستقبل أكثر إشراقًا؟ الامتنان لا يقتصر على الأوقات السعيدة، بل يشمل أيضًا الشدائد التي تصقل أرواحنا، وتدفعنا لنكون أقوى وأعمق. عندما نشكر الحياة على كل ما تمنحنا إياه، حتى لو لم يكن كما تمنّينا، نبدأ في رؤية الصورة الكاملة، وندرك أن كل شيء يحدث لسبب، وأننا دائمًا في المكان والزمان المناسبين لما تحتاجه أرواحنا. الامتنان لا يحتاج إلى معجزات كبيرة حتى نشعر به، بل يكفي أن نتأمل النعم الصغيرة التي تحيط بنا كل يوم. أن نستيقظ بصحة جيدة، أن نحظى بأشخاص يحبوننا، أن تتاح لنا فرص جديدة للنمو والتعلم، كلها أمور تستحق الشكر والاحتفاء. عندما ندرّب أنفسنا على الامتنان، تتغير نظرتنا إلى الحياة، ونتوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين، فنبدأ في تقدير رحلتنا الفريدة بكل تفاصيلها.
إنّ الحياة لا تمنحنا كل شيء دفعة واحدة، لكنها تزوّدنا دائمًا بما يستحق التقدير. وكثيرًا ما ننشغل بالسعي وراء ما نفتقد�