التكنولوجيا الحديثة تجاوزت دور الأدوات لتصبح جزءاً من هويتنا، حيث يسعى الكثيرون إلى مواكبتها للشعور بالتميز والانتماء لعصر الابتكارات المتطورة، حتى وإن لم يستخدموا كافة ميزاتها.
تتجاوز التقنيات الحديثة كونها أدوات نستخدمها عرضياً، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من نمط حياتنا وطريقة تفاعلنا مع العالم. فلم تعد تقتصر على الهواتف الذكية أو الحواسيب فقط، بل تتخذ أشكالاً متقدمة بأجهزة قابلة للارتداء، صار بعضها جزءاً من زينا وملابسنا.
لا يمكن القول إن كل هذه الأجهزة والابتكارات جديدة تماماً، فالعديد منها، مثل سماعات "إيربودز"، موجود في الأسواق منذ سنوات. ومع ذلك، تطرح الشركات في كل موسم تقني إصدارات محسّنة وأجيالاً جديدة منها، تقدم ميزات إضافية أو تحسينات، فتجذب المستهلكين لاقتنائها. لكن المثير للاهتمام أن الكثير من المستهلكين الذين يتهافتون على شراء هذه الإصدارات الجديدة قد لا يستفيدون فعلياً من الميزات الإضافية، بل قد تكون النسخة السابقة التي يمتلكونها كافية تماماً لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
بين الحاجة والرفاهية
على سبيل المثال، طورت شركة "أبل" سماعات AirPods Pro 2 وأضافت إليها ميزة مبتكرة تستخدم كجهاز مساعد للسمع، وهي ميزة تتطلب إعدادها عبر جهاز "آيفون" أو "آيباد"، وتعمل على تضخيم الصوت المحيط، ما يتيح للأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع الخفيف إلى المتوسط الاستفادة من السماعات بطريقة أكثر شمولاً. وتكمن أهمية هذه الميزة في أنها تتيح لهؤلاء الأشخاص استخدام السماعات بأناقة وراحة، بعيداً عن الشكل التقليدي للسماعات الطبية، ما يقلل من التوتر الاجتماعي ويتيح لهم التعامل مع مشاكل السمع بشكل طبيعي وسلس.
في هذا الإطار، يمكن فهم حاجة بعض المستهلكين لاقتناء هذا الجيل الجديد للاستفادة من هذه الميزات المتخصصة. ولكن يبقى التساؤل قائماً: لماذا يدفع الكثيرون مبالغ كبيرة لاقتناء الجيل الأحدث، حتى وإن لم يكن لديهم حاجة فعلية لكل ما يحمله من ميزات؟
تقول دانا شعبان، خبيرة التسويق الإلكتروني، لـ "النهار" إن الأجهزة الذكية لم تعد أدوات، بل باتت تعكس جزءاً من هويتنا وتوجهاتنا اليومية، "فالناس يشترون الأجهزة الذكية لأسباب متنوعة الاستفادة من الميزات المتخصصة. وكثيرون يشعرون برغبة في مواكبة العصر والحصول على جهاز حديث يمنحهم شعوراً بالتميز والانتماء لعالم التكنولوجيا المتطور، حتى لو لم يستخدموا كل ميزاته".
تفضيلات الشراء
إضافة إلى دوافع التحديث، يلعب التسويق دوراً مؤثراً في خلق الحاجة إلى امتلاك أحدث النسخ من هذه الأجهزة. ترى دانا أن "الإعلانات تخلق شعوراً بالضرورة تجاه هذه المنتجات، ما يساهم في رغبة المستهلكين باقتنائها، لا سيما مع تأثير العائلة والأصدقاء. كذلك، توفر الأجهزة الحديثة الراحة والأمان بفضل ميزات بسيطة كتتبع خطوات المشي أو الاطلاع السريع على الإشعارات، ما يعزز من شعور المستخدمين بالراحة والتجدد"".
ورغم التحديات التي تفرضها بعض الميزات، مثل محدودية عمر البطارية، فإن الإقبال على هذه الأجهزة يتزايد، فحتى من لا يستفيد من الميزات المتخصصة يجد فيها وسيلة للتفاعل مع محيطه ومواكبة العصر. ولعل هذا التفاعل يشكل نقطة الانطلاق نحو تحسين نمط الحياة، لا سيما عند ربطه بمزايا مرتبطة بالصحة كالساعات الذكية التي ترصد دقات القلب وتراقب جودة النوم، وهي ميزات تجعل التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياة المستخدمين اليومية حتّي أثناء نومه!
التكنولوجيا هوية عصرية
بهذه الطريقة، أصبحت الأجهزة القابلة للارتداء جزءاً لا يتجزأ من هوية مستخدميها، إذ تعكس أسلوب حياتهم وتوجههم نحو تجربة متكاملة تجمع بين الراحة والتطور التكنولوجي. يسعى العديد من الأشخاص إلى اقتناء هذه الأجهزة بهدف الشعور بالتجدد والانتماء، حتى وإن كانت استفادتهم العملية من ميزاتها محدودة. وتقول دانا شعبان: "في نهاية المطاف، هذه الأجهزة تمثل جزءاً من هويتنا، تمنحنا شعوراً بالتجدد وتعكس أسلوب حياتنا.".
اليوم، يشهد السوق موجة جديدة من الأجهزة المحمولة المعززة بالذكاء الاصطناعي، والتي تعمل مباشرةً مع روبوتات المحادثة دون الحاجة إلى تطبيقات أو شاشات. فهل ستكون الهوية التكنولوجية العصرية القادمة غير محمولة ومرتبطة بالكامل بالروبوتات؟