رنا فرح
كما كان يُنظر إلى الدولة العثمانية على أنها "الرجل المريض" في عصرها، يجد لبنان نفسه اليوم في وضع مشابه، عالقًا بين أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لم يكن الرئيس فؤاد شهاب يثق في الطبقة السياسية التقليدية، بل استخدم تعبيرًا فرنسيًا أصبح جزءًا من تقييمه لتلك الطبقة، حيث أطلق عليهم لقب "أكلة الجبنة" fromagistes، في إشارة إلى أولئك الذين يضعون مصالحهم الشخصية فوق المصلحة العامة، والذين يسعون لاقتطاع حصص لأنفسهم من مصالح الدولة.
في الوقت الذي يتركّز فيه النقاش حول شكل الحكومة المنتظرة، تبقى إعادة بناء الدولة والإصلاح هما الهمّان الأكبران لدى اللبنانيين، حيث يُطرح السؤال الأساسي: كيف يمكن تحويل لبنان إلى مركز جذب للاستثمارات بدل أن يكون ساحة صراع دائم؟
لطالما نبّه الرئيس فؤاد شهاب إلى المخاطر التي تواجه الدولة، محذرًا من طبقة "أكلة الجبنة" التي تغذي نظامًا مبنيًّا على الامتيازات والمحسوبيات بدل الكفاءة والمساواة. في هذا السياق، رأى الأب لويس لو بري وفؤاد شهاب أن أزمة لبنان ليست فقط في الأزمات الخارجية، بل في أنانية طبقته الحاكمة التي تكرّس استمرارية الأزمات عبر سياسات تخدم مصالحها الضيقة.
دفاعًا عن موقعها في اللعبة السياسية، قامت هذه الطبقة بتكريس واقع وجد صداه لدى قاعدة شعبية مستسلمة. لذلك، يشكّل إصلاح الدولة، تكافؤ الفرص، وإعادة الإعمار والتنمية موضوعًا رئيسيًا على الساحة اللبنانية اليوم، حيث تتعالى الأصوات المطالبة بحكومة إصلاحية ذات كفاءات عالية.
على صعيد إعادة بناء الدولة، يتمثّل الإنجاز الأبرز في تغليب فاعلية العمل الحكومي على مخاطر التجاذبات السياسية، وذلك عبر اعتماد سياسات تعزّز التضامن الاجتماعيّ، وتؤسّس لدولة حديثة قائمة على المؤسسات، لا على الولاءات الفئوية. سعى الرئيس فؤاد شهاب، في مشروعه الإصلاحي، إلى تحقيق هذه الرؤية، مرتكزًا على محورين رئيسيين: العدالة الاجتماعية وبناء الدولة الفاعلة.
يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتمكن لبنان من تجاوز ماضيه المثقل بالتجاذبات ليصبح دولة حديثة قادرة على جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار، أم سيبقى أسير لعبة المصالح الضيقة التي جعلت منه "الرجل المريض" في القرن الواحد والعشرين؟