مقالات __ كتاب __ صوت جرش
أ.د تركي الفواز
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلنت جماعة الإخوان تأييدها لعملية البحر الميت، هذا الموقف يعكس تحولاً كبيراً في توجهات الجماعة نحو دعم أعمال قد تعتبرها الدولة تهديداً لأمنها واستقرارها، القرار يطرح تساؤلات عميقة حول مدى حضور العقل السياسي والوطني في مواقف الجماعة، وما إذا كانت تأخذ بعين الاعتبار التداعيات السلبية على الدولة الأردنية، التي لطالما أتاحت لهم المشاركة السياسية، عندما نتحدث عن القرارات السياسية التي تتخذها الأحزاب والجماعات، نتوقع أن تكون مبنية على دراسة دقيقة للواقع السياسي والأمني، وتأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة، في حالة تأييد الإخوان لعملية البحر الميت، يبدو أن هذه المعايير غابت عن اتخاذ القرار، فهذه العملية تحمل في طياتها رسائل خطيرة قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأردن في وقت حساس تمر به المنطقة، ومن غير الحكمة اتخاذ قرارات كهذه دون التفكير في العواقب، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
لطالما كانت علاقة الإخوان بالدولة الأردنية معقدة ومتعددة الأوجه، فقد سمحت لهم الدولة بالمشاركة في الحياة السياسية عبر حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو ما وفر لهم منصة للتعبير عن آرائهم والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، إلا أن هذا التفاهم، الذي بُني على شراكة سياسية، بدأ يتآكل مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد تبني الجماعة لمواقف قد تضر بمصلحة الدولة العليا، فالتحول نحو تأييد عمليات من شأنها تهديد الأمن الوطني لا يعكس موقفًا سياسيًا مسؤولًا، بل قد يضع الجماعة في مواجهة مباشرة مع الدولة، ويعزز الفجوة بينهما.
ما يثير القلق في قرار تأييد الإخوان لعملية البحر الميت هو غياب الاهتمام بمصلحة الوطن واستقراره، فالأردن يواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والأمني، وأي تصعيد أو توتر في هذه المرحلة قد يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها، تأييد أو دعم أي تحرك يهدد أمن الدولة قد يُفسر على أنه تخلي عن المسؤولية الوطنية، فالمصلحة الوطنية يجب أن تكون في مقدمة الأولويات لأي حزب أو جماعة تسعى للمشاركة السياسية، تأييد أعمال قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار أو تهديد الحدود ليس من سمات العمل السياسي المسؤول، بل هو انعكاس لعجز عن فهم الواقع السياسي وأهمية الحفاظ على سيادة الدولة واستقرارها.
في النهاية، يتعين على الإخوان مراجعة مواقفهم وإعادة النظر في استراتيجيتهم في التعامل مع الدولة الأردنية، فالسياسة ليست ساحة للمواجهة المباشرة أو التصعيد، بل هي مجال للحوار والتفاهم والعمل المشترك من أجل مصلحة الوطن.