تريزيا عبّود
سلامٌ لكلّ قارئ سيقرأ ما كتبه قلمي، سلامٌ لكلّ إنسان عاش أو يعيش ما سيشعر به قلبه عند ملامسة عينيه أحرف كلماتي. دائمًا كنت أتخيّل الحياة قصّة جميلةً، تشبه قصص أمّي قبل النّوم. كنت أتخيّلها لوحة مزخرفة بالطّيور، مليئةً بالفرح، أناسها طيّبون يشاركون يوميّاتهم ومشاكلهم مع بعض. وتحت أشجار تلك اللوحة مجموعة أصدقاء يقضون الوقت معًا ويزرعون القوّة والأمل والسعادة في قلوب بعضهم بعضاً، لدرجة أنّه كان في إمكاني رؤية ما تحمله الرياح من حبّ في تلك اللّوحة الرائعة والمرسومة تحت اسم "الحياة".
لكنّ في نهاية كلّ قصّة كانت تُسردها لي أمّي كانت تقول لي أنّ هذه القصص من وحي الخيال وليست حقيقيّة. ونعم، كبرتُ يا أمّي وأصبحت أرى أنّ لوحة "الحياة" من نسج الخيال. فالطّيور المليئة بالفرح أصبحت مسجونة في قفصٍ محرومةً من حرّيتها، وأنّ النّاس الطّيبون أصبحت يوميّاتهم أن يتكلّموا عن بعضهم بعضاً بطريقة مؤذية دون التفكير إن كان كلامهم سيجرح كالسّكين المسنون، وأنّ مشاكلهم أصبحت هم في حدّ ذاتهم، نعم أصبح الإنسان مشكلة نفسه فامتلأ قلبه حقداً وأعمت الغيرة عينيه وصارت تلك الابتسامة على وجهه تستر كلمات وصفات حتّى الشيطان لا يفكّر وضعها على لائحته. ومجموعة الأصدقاء الذين تحت الشجرة لم يعد لهم وجود، فالحياة لا وجود فيها لأصدقاء، واللذين تظنّهم كذلك سيأتي يوم وترى أن أسرارك ما عادت أسراراً والمفشي الوحيد هو ذلك الذي أطلقت عليه اسم الصديق، فالدرس الأوّل في الحياة سيكون تحت عنوان "لا وجود للصداقة". كلّ إنسان يبحث عن مبتغاه، فلا وجود لذلك الصديق الذي يدفعك إلى القمّة ويصفّق لك ولنجاحاتك. تعلّم أن تصل بمفردك وأن تصفّق لنفسك. لكنّ هذا لا يعني ألّا وجود لأشخاص طيّبين، بل هناك، لكنّ احذر من الاختيار الخطأ.
كبرتُ يا أمّي ويا ليتني لم أفعل. كم أتمنّى أن أعيد نظرتي للحياة كتلك اللّوحة التّي كانت في مخيّلتي وأنسى هذا الواقع المرير وبشاعة الحياة الحقيقيّة. فالحياة بمخيّلتي الطفوليّة أجمل بكثير من الحياة الواقعيّة الصّعبة. وأنت يا قارئ هذا المقال ما رأيك في الحياة؟ فهل هي كذلك أم كاللوحة الخياليّة؟