"رمتني بدائها وانسلّت".. هذا ما تعكسه تصريحات رئاسة السلطة الفلسطينية وحركة فتح في رام الله، في تعليقها على لقاء المبعوث الأمريكي آدم بولر بقيادات حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، لبحث مسألة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
منذ اللحظة الأولى لإعلان الإدارة الأمريكية عن لقاء مباشر مع قيادة حماس للدفع قدمًا في صفقة تبادل الأسرى ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أصاب السلطة الفلسطينية حالة من الهياج السياسي والاستياء، مما أثار موجة من الاستغراب والسخرية من هذه التصريحات.
كما أن تعليق السلطة الفلسطينية في رام الله على لقاءات وقف إطلاق النار في غزة يأتي في وقت تصر فيه على تقديس التنسيق الأمني والتفاوض المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، في خرق واضح للإجماع الوطني الفلسطيني.
ووفق محللين، فإن هذه التصريحات تكشف حالة التأزم والضياع السياسي الذي تعيشه القيادات المتنفذة في السلطة وحركة فتح، بعد أن وصل مشروعها التفاوضي الاستسلامي إلى طريق مسدود، حيث لم يُسمع لهم صوت طيلة 15 شهرًا من العدوان على غزة، لكنهم الآن يخرجون للدفاع عن مصالحهم الخاصة.
وبحسب محللين، فإن غياب البوصلة لدى أصحاب هذه التصريحات جعلهم يوجّهون سهامهم نحو حماس بدلاً من الاحتلال، في حين كان الأولى أن يوجهوا انتقاداتهم لحكومة الاحتلال المتطرفة، التي تشنّ حربًا وعدوانًا مستمرًا على مدن ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأن يعلنوا موقفًا وطنيًا حقيقيًا بوقف التنسيق الأمني فورًا، ووقف ملاحقة المقاومين وقتلهم.
وكان الناطق باسم رئاسة السلطة في رام الله، نبيل أبو ردينة، قد استنكر لقاء حركة حماس مع أحد وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومبعوث الإدارة الأمريكية، متهمًا إياها بالتخابر مع جهات خارجية.
"اللي استحوا ماتوا"
واستنكر الكاتب والباحث السياسي ماجد أبو دياك التصريحات التي أدلت بها الرئاسة الفلسطينية حول اتصالات حركة حماس مع جهات أجنبية، معتبرًا إياها تشتيتًا للموقف الفلسطيني، في إشارة إلى لقاء المبعوث الأمريكي آدم بولر بقيادات حماس في الدوحة لبحث موضوع وقف إطلاق النار.
وقال أبو دياك، أصبح البحث عن مصلحة الشعب الفلسطيني والتفاوض مع أميركا من موقع القوة مرفوضًا، بينما التعاون الأمني مع الاحتلال لملاحقة وقتل المقاومين يُعتبر موقفًا وطنيًا!".
وأضاف: "القصة وما فيها أنهم خائفون على دورهم بعد أن أهرقوا ماء وجههم في التزلف لترامب وللاحتلال، عبر ممارسة دور أمني قذر في مخيم جنين، وصل إلى حد قتل المقاومين".
وتابع أبو دياك: "النتيجة أن الاحتلال لا يزال يرفض أي دور لهم في غزة"، مشيرًا إلى أنه "بدلاً من أن يتعلموا دروس الشرف والكرامة من حماس، التي جاء إليها الأمريكيون ولم تذهب إليهم، فإنهم يعيبون عليها ما قامت به دون أن تقدم أي تنازلات للعدو".
وأردف قائلًا: "اللي استحوا ماتوا"، معبرًا عن استهجانه للمواقف الرسمية الفلسطينية التي تتناقض مع المصالح الوطنية الحقيقية، في هذه الظروف العصيبة.
"مصالح شخصية"
من جانبه، قال الخبير السياسي المصري مراد علي، إن انزعاج الرئاسة الفلسطينية من تواصل حركة حماس مع الولايات المتحدة يعكس مصالح شخصية للنظام القائم في رام الله، مؤكدًا أن هذا التوتر لم يظهر عندما استقبلت حماس وفودًا مختلفة في غزة أو عندما أجرت مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي طوال السنوات الماضية.
وأضاف علي أن "الرئاسة الفلسطينية لم تُبدِ أي اعتراض على اتصالات حماس مع دول ورؤساء العالم، بل كانت التفاهمات مع إسرائيل طوال السنوات الماضية موضوعًا مقبولًا، لكن مع بداية حماس للتواصل مع الولايات المتحدة، ظهر الانزعاج بشكل واضح، واتهمتها الرئاسة بـ'التخابر'".
وأشار إلى أن السبب الحقيقي وراء هذا الانزعاج هو أن هذه الاتصالات قد تؤدي، على المدى المتوسط أو البعيد، إلى تحقيق حماس تفاهمات مع الولايات المتحدة، "وهو ما قد يهدد المناصب والمكاسب السياسية التي يتمتع بها الرئيس محمود عباس ومن يحيطون به"، لافتًا إلى أن "هذه الخطوة تشكّل تهديدًا لمصالحهم الشخصية، وليس بالضرورة تهديدًا حقيقيًا للقضية الفلسطينية".
وأوضح الخبير السياسي أن هذا التوتر يعكس رغبة السلطة في الحفاظ على نفوذها السياسي، واصفًا المواقف الرسمية بأنها "تعكس انشغال القادة في رام الله بالمصالح الشخصية، بدلًا من التركيز على مصلحة الشعب الفلسطيني".
"أوقفوا التنسيق الأمني"
الخبير في القانون الدولي، والرئيس السابق للمؤتمر الشعبي الفلسطيني في الخارج، د. أنيس القاسم، أكد أن السلطة الفلسطينية تخشى فقدان احتكارها لقنوات الاتصال مع الأمريكيين، مشيرًا إلى أن التنسيق الأمني يحمل في طياته أبعادًا قانونية تندرج تحت مفهوم التجسس.
وأضاف القاسم أن قيادة المقاومة الفلسطينية تدير التفاوض بحكمة وقوة واقتدار، وبقدرة عالية على المناورة، بما يحفظ حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن المفاوض يدرك ألاعيب الاحتلال، ويفهم جيدًا عقلية عدوه، ويتحرك من قاعدة الحفاظ على الثوابت الوطنية، مع مرونة في التكتيك التفاوضي الذي يحقق له أهدافه.
وأكد القاسم أن تمسك المقاومة بثوابتها منذ اللحظة الأولى، يُعدّ سابقة في تاريخ التفاوض الفلسطيني، حيث لم تتراجع تحت الضغوط، ولم ينجح الاحتلال في تفريغ موقفها من مضمونه.
من جانبه، أكد القيادي في حركة حماس عبد الحكيم حنيني أن حديث رئاسة السلطة الفلسطينية عن "تخابر" حماس مع جهة أجنبية غير مقبول، مشددًا على أن السلطة مطالَبة بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أولًا، قبل أن تتهم الحركة بالتخابر.
وفي وقت سابق، دعت حماس السلطة الفلسطينية إلى التوقف عن سياسة التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين، والاستجابة للنداءات الوطنية والمجتمعية لتغليب مصالح الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وإحباط مخططاته.
وكانت رئاسة السلطة الفلسطينية قد زعمت أن اتصالات حركة حماس مع أطراف أجنبية تمثل خروجًا عن القانون الفلسطيني وخرقًا للموقف العربي، مشيرة إلى أنه "يتعارض مع ما أسمته أحكام القانون الفلسطيني، التي تجرّم التخابر مع جهات أجنبية".