ريتا الشيخ
العودة إلى الوطن
لم يكن الرحيل عن الوطن متوقعاً، فالحرب أجبرتنا على أن نبتعد من دون إنذار. كنت قلقة غير متأكدة ومترددة من فكرة السفر من دون تخطيط مسبق. يرن الهاتف ثلاث رنات، أسمع صوت أمي باكية، ترجوني أن أسافر في أسرع وقت. لم أتخيل هذه المرة أن تطول الرحلة بسبب الأوضاع، لا أريد أن أغلق حقيبتي ولا أن أركب الطائرة ولا أن أترك غرفتي. إلحاح أمي أجبرني على ألا أفكر سوى بالرحيل، فوجدتني بسرعة أحمل الحقيبة الصغيرة الملونة على أمل العودة. يسرع التاكسي الي المطار، يطفيء الأضواء، لا يريد أن يلفت الأنظار، ينظر نحوي بتوتر ويقول الحمد الله عالسلامة لقد وصلنا بخير، إذهبي يا إبنتي سلمي على أهلك وانتبهي عحالك! إدعيلنا
أطرقت برأسي نحو الأرض كالنعامة حزينة أفكر هل أنا أنانية؟ أن أترك أصحابي وأحبائي وأطفالاً لا يعرفون النوم ولا الأمان، في بلد يموت كل يوم عطشاناً الى نقطة مياه لتتحول إلي معجزة للسلام. بزغ الفجر وأشرقت الشمس وحلقت في السماء كالنسر ، تنفست بعمق أمسح دموعي عن خدي متعمدة عدم النظر من النافذة، فالقصف قد بدأ والدخان يتصاعد بإحمرار لون الشمس الصامدة. مرت الأشهر وأنا أشاهد النار، والأبنية تنهار فتتحول رماداً ودخاناً، والسماء تلونت كلوحة مرسومة بألوان تحكي حكاية الموت والرعب، وصور للأطفال وألعاب وكتب وشنط مدرسية مرمية بالزوايا بين الأحجار الصامتة. مصدومة أنا بهذا الفيلم السينمائي، أصلي يا نار كوني برداً وسلاماً. هناك قرب منزلي في ذلك البلد الغريب مزار قريب من الكنيسة، حديقة ملونة بالورود وعصافير تزقزق، كنت أذهب كل يوم قبل بداية الميلاد المجيد لأزور السيدة العذراء وأصلي.
سلام لإسمها على معجزة توقف الحرب قبل الأعياد، وكأنني أُرسلت الى هذا المزار لكي أقف أمامها ولتتم المعجزة في 27 تشرين الثاني، عيد الأيقونة العجائبية. فالصلاة والمحبة تعملان المعجزات، نحن في حاجة لنحافظ على المحبة، لو نمسك القلم ونكتب كل يوم لنتذكر معنى المحبة ونطبقه في البيوت والمدارس والجامعات، لأنها مفتاح الخلاص من الشر الذي يلاحق حياتنا. فالأرض يسكنها الخير والشر وها نحن نعيش هاتين الكلمتين على الأرض وليس في الفضاء، والحرب زرعت البغض والشر في قلوب البشر، لذلك لكي لا يضيع البشر في عالم الظلم والفساد والأذية علينا أن نستذكر المحب. الغربة شيء فظيع في بلد لا تنتمي إلي جذوره، فالشجرة هنا لم أزرعها ولم أسقها لكنها جميلة لأنها شجرة حرة، خلافاً للشجرة التي زرعتها في ضيعتي التي أحن إليها وأحلم بأحجار بيوتها التي باتت بلا قرميد أحمر. أشتاق الي أصدقائي الذين عانوا الكثير رغم كل هذه الظروف، يتصلون بي لكي يطمئنو. حان وقت العودة الي الوطن، إلى بيروتي وأحباب كثر. أريد أن أعود إليه. سأدخل غرفتي الصغيرة أقرأ كتبي، سأمسح غبار الحزن عن الرفوف. الغربة لن تغيرني ما دامت هناك عصافير، محبة، أمل، ولقاء من جديد.