صادقت محكمة التمييز الأردنية على قرار محكمة استئناف عمان الصادر بتاريخ 25 فبراير 2024، والذي يقضي بإلزام وزير الداخلية، بصفته الوظيفية، ومحافظ المفرق، بصفته الوظيفية أيضًا، بدفع تعويض مالي لعاملة منزل إندونيسية الجنسية، وذلك عن فترة توقيفها الإداري التي امتدت لثلاث سنوات ونصف، وقد بلغت قيمة التعويض 20,880 دينارًا أردنيا، وجاء هذا الحكم بعد إجراءات قضائية استمرت لعقد كامل.
تفاصيل القضية
أصدرت منظمة "تمكين" بيانًا أكدت فيه أن العاملة، من خلال وحدة المساعدة القانونية التابعة لها، رفعت دعوى حقوقية أمام محكمة صلح حقوق عمان ضد الجهات المسؤولة عن احتجازها غير القانوني، مطالبةً بتعويض عن الأضرار التي لحقت بها جراء احتجازها. ولاحقًا، تمت إحالة القضية إلى محكمة بداية حقوق عمان بتاريخ 3 نوفمبر 2020، وذلك بعد أن تبين أن قيمة التعويض المطلوب تتجاوز 10,000 دينار، مما يضعها ضمن اختصاص محكمة البداية.
ووفقًا للبيان، أصدرت محكمة التمييز في 31 ديسمبر 2024 قرارها بتأييد حكم محكمة استئناف عمان الصادر في 25 فبراير 2024، والذي اعتبر أن مسؤولية المحافظ تشمل ضمنيًا مسؤولية وزارة الداخلية، وفقًا للمادة 288/1/ب من القانون المدني الأردني.
وتنص هذه المادة على أن الجهة التي يتبع لها الموظف تتحمل المسؤولية عن أخطائه، لا سيما إذا كانت تملك سلطة الإشراف عليه. كما أيدت المحكمة صحة تقرير الخبرة المقدم في القضية، موضحةً أنه استند إلى بينات واضحة ومقبولة، ولم يتم تقديم أي طعن قانوني يمس بمصداقيته.
وأوضحت "تمكين" أن العاملة الإندونيسية وصلت إلى الأردن عام 2006 للعمل، لكنها تعرضت لاحقًا لاعتداء جنائي، صدر على إثره حكم بالإدانة ضد الجناة من قبل محكمة الجنايات الكبرى. ومع ذلك، تم احتجازها إداريًا بقرار من محافظ المفرق، بناءً على توصية من إدارة حماية الأسرة في مديرية الأمن العام، بزعم حمايتها، وظلت محتجزة من 8 مايو 2012 حتى 7 أكتوبر 2015، أي أكثر من ثلاث سنوات ونصف، دون مسوغ قانوني.
واستندت مرافعات الدفاع إلى مبادئ قانونية ودستورية راسخة، حيث أكدت أن الحرية الشخصية محمية بموجب الدستور الأردني، وأن أي انتهاك لها يعد جريمة يعاقب عليها القانون. كما استند الدفاع إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل لكل إنسان الحق في الحرية والأمان، ويحظر الاعتقال التعسفي.
الأحكام والتعويضات
أصدرت محكمة استئناف عمان حكمها في 25 فبراير 2024، بإلزام وزير الداخلية ومحافظ المفرق، بدفع تعويض إجمالي قدره 20,880 دينارًا أردنيًا، مقسمًا إلى 5,880 دينارًا كتعويض عن الضرر المادي، و15,000 دينار تعويضًا عن الضرر المعنوي الناتج عن حرمان العاملة من حياة طبيعية ومستقرة.
وأكد قرار محكمة الاستئناف أن توقيف العاملة كان مخالفًا لأحكام القانون، حيث تجاوز المحافظ الصلاحيات الممنوحة له، مما أدى إلى احتجازها دون سند قانوني، الأمر الذي اعتبرته المحكمة خطأ جسيمًا يستوجب المسؤولية المدنية. كما شددت المحكمة على أن هذا التصرف لا يندرج ضمن الأفعال المشروعة بموجب السلطة الممنوحة للمحافظ.
واعتبرت المحامية أسماء عميرة، المتخصصة في قضايا العمال، أن هذا الحكم يشكل سابقة قضائية مهمة، حيث يعد الأول من نوعه الذي يمنح تعويضًا لعاملة مهاجرة عن فترة توقيف إداري، موضحة أن الحكم يستند إلى الدستور الأردني والاتفاقيات الدولية التي تحظر التوقيف التعسفي.
كما أشارت عميرة إلى أن قانون منع الجرائم يحدد شروطًا واضحة لممارسة المحافظ لصلاحيات التوقيف، مثل وجود أدلة على أن الشخص على وشك ارتكاب جريمة، أو اعتاد السرقة، أو كان يمثل خطرًا على المجتمع. وأكدت أن احتجاز العاملة لم يستند إلى أي مبرر قانوني.
ورحبت المديرة التنفيذية لمنظمة "تمكين"، لندا كلش، بقرار محكمة الاستئناف، مشددة على ضرورة وقف العمل بقانون منع الجرائم، وحصر صلاحية التوقيف بالسلطة القضائية فقط، مؤكدة أن الحكم يمثل خطوة مهمة في إعادة تقييم آليات التوقيف الإداري في الأردن، كما يسلط الضوء على التكاليف المالية الكبيرة التي تتكبدها الدولة بسبب التوقيف الإداري.
كما شددت كلش على أهمية السماح للجميع بالطعن أمام المحكمة الإدارية، وعدم حصر ذلك بفئات معينة، بالإضافة إلى تعزيز الدعم القانوني في مثل هذه القضايا. وأوضحت أن قرارات التوقيف الإداري يجب ألا تتجاوز صلاحيات القضاء، مشيرة إلى أن المحكمة الدستورية اعتبرت هذه القرارات قانونية، رغم تعارضها مع الدستور والاتفاقيات الدولية.