هبة أحمد الحجاج
وها وقدْ أتى الصَباح وافترشتْ الشمسُ قلبَ السـماء، وأدلتْ بجدائِلها الذهبية خيوطَ أملٍ تناثرت على زجاج نوافذنا بغـرور ، تغـمزُ للأحلام بطرفها وتنقشُ حـروفاً يتلألأ نُورها هُـنا وهناك، وكأنها تُجبرنا على الاستيقاظ وتقول “دورة الحياة ابتدأت من جديد “، فاستيقظت، ووقفت أمام النافذة المُطلة على البلدةِ بأكملها ، ورأيتُ الأطفال الصغارَ يتراكضُون ويتلاعبون هُنا وهناك ، ورأيتُ الشبان والشاباتِ كلٌ منهم يحملُ قلمهُ وكتابه ويتسَارعون في خطواتهم وكأنهم يردون أن يسبقوا الريح في إنجازاتهم ، أما المسنين على قُولتنا ” بركتنا” وهُم بركتنا حقاً ، فتلقاهم في مَزارعهم ، يَزرعون ويحصدون وهُم يتغنون ، وجَيشنا، لله دَره جيشنا ، يقفُون في مُحاذاتنا، خلفنا ، أمامنا ، وكَأنهم يقُولون لنا ” لا تَخافوا ، نحنُ هنا وُجدنا لكم ، لِراحَتكم ، لِحمايتكم ، لتشعروا بالأمان” . ابتسمتُ ابتسامةً ممزوجةً بالفرحِ والاطمئنان ، وقررتُ أن أحتسي فنجانَ قهوة الصَباح على شُرفتي المُطلة على ” يومٍ من أيامِ بلادي” وأشعلتُ الراديو وإذ أسمعُ فيروز تُغني ” أردُنُّ أرضَ العزمِ أغنيةُ الظّبا نَبَتِ السُّيوفُ وحَدُ سيفِكِ ما نَبَـا فِي حجمِ بعضِ الوردِ إلَّا أنَّه لك شوكةٌ ردَّتْ إلى الشَّرقِ الصَّـبَا فرضتْ على الدنيا البطولةَ مشتهًى وعليك دينًـا لا يخانُ و مذْهَبَــا”
هل تَعلم ماذا قصدَ الشَاعر اللبناني “سعد التل” بالبيتِ الأول منْ هذهِ القصيدة؟ ” يصفُ الأردن أنّها أرضُ الخيرِ وأُغنية الظبا أي أُغنية السُيوف، فالظِبا هي السُيوف المسنونة، ثم يقول للأردن لقد أخطأتِ السيوف جميعها أهدافها ولكنَّ سيفك ثابت لا ينبو ولا يُخطئ، ثمَّ يقول للأردن إنّك أيُها البلدُ الصغير منْ حيثُ مساحتك إلَّا أنَّك استطعتَ أنْ تردَ للشرق جَميعه شبابه وتُعيد لهُ أمجادهُ بِشعبكَ العظيم، فقدْ فرضتْ أيُها الشعبُ العظيم على نفسكَ البُطولة فكانت لك دينًا ومذهبًا تعتنقه ما حييتَ”.وها أنا أرى طِفلةً صَغيرةً تركضُ وكأنها تُريد أن تُسابق الريح بأقدامها الصغيره وفي يدها وردة حمراء واعتلى على وجهها ابتسامةً جميلةً وخجولةً ، وكأن ذاك الشخصُ يستحقُ كلَ ذلكَ العناء، نعم وبكلِ تأكيد فإنهُ فرد من أفراد جيشنا البواسل ، ومنْ غيرهُ يستحقُ ذلك ؟ يا جيشنا يا عَربي ، مهما كتبتُ بكَ القصائد والمُعلقات لا تُوفيك حقكَ بل على العكسِ سأكونُ فيكَ مُقصر ، في ظل تلكَ الأزمة اللعينة ” الكورونا ” التي هزتْ العالم وما زالتْ تُشكل خطرًا كبيراً ، فكُنتم كالأم التي ضَمت أطفالها واحتضنَتهم واحتَوتهم ، وأغلقتْ الأبوابَ عليهم خوفاً من غدرِ الكورونا ، فقامتْ بتعليقِ لافتةٍ على بابها ” أعتذرْ عن استقبالِ الضُيوف ، خوفاً على أبنائي ” ، أغلقتْ الحُدود وأغلقتْ المعابر ، أدتْ إلى إغلاقِ المطارات والخُطوط الجَوية ، والسِكك الحَديدية تُقطع والمَدارس والجامِعات تُقفل أبوابها ….إلخ .أصبحتُ ترفعُ الشِعار وتلوح فيهِ في الأُفق عاليًا ” خَليك بالبيتِ لتكُن في مَأمن منْ غَدر الكُورونا ” . وكانتْ نتيجةَ هذا الاحتِضان والخوفِ والاحتِواء، في عيونِ العالم : ١- أميركا : إجراءاتْ أُردنية اسْتثنائية ومُبكرة لمُواجهة الأزمة، الأردُن يُطبق حالة إِغلاق شامِلة تُعد منْ بين الأقوى عالمياً. ٢- بريطانيا : الأردن يحوّل فَنادق فَاخرة لمَراكز عزل. ٣- ألمانيا :الأُردن الأكثر أماناً . ٤- تونس : التجربة الأُردنية مُضيئة بالتَصدي للفيروس. ٥- لبنان : كيفَ واجهَ النشامى فيروس كورونا؟ و أخيراً وليسَ آخرًا، هكذا وصفَ الإعلام الإماراتي الاْردن والأردنيين في مُواجهة كورونا : ما أروعَ الأُردني ؛ مسكَ الغيمةَ السوداء بيدينِ عاريتَين وطردها خَارج أرضِه ووطنِه. وعندما يسألونَ كيفَ ذلك ؟! كيف استطعتم أن تُزيلوا هذهِ الغيمه السوداء !؟ ما الخُطوات ؟! ساعِدونا ؟! بالتأكيدِ سنُجيب ” المُنعطف حاد ولكنَ القائدَ بارع”.الجيّش كان يدٌ تبني ويدٌ تَحملُ السلاح ، ويدٌ تعالج ويدٌ تحمل السلاح ، وما استعان بهم أحدٌ إلا و أعانُوه ، فـباركَ اللهُ فيهم كما باركَ بالتينِ والزَيتون، هم عَشيرتنا المُقربون ، هُم الأهلُ والسند والعزوة ، هُم كِبار البلد ، هُم الجيش واللهُ يحمي الجيش .ولا يُمكن أن ننسى وقفةَ الجيشِ الأبيض في مثلِ هذهِ الأيام خُصوصاً ، موقفاً عَظيماً في مَعركة عالميةٍ هي الأشرس منْ نَوعِها فعندما كانتْ السماءُ صافيةً والشمسُ ساطعة ، غطت غيمة سوداء هذه السماء فحل الظلام في كل مكان ، وكأن كوكبًا غريبًا قام بغزو الأرضِ فجأةً ، فأخذ الجيشُ الأبيضُ يركضُ بأسرعِ ما لديه ؛ ليحملَ الروح على كفه، ويقاتلَ ببسالةٍ وشجاعةٍ ذلك الوباء العظيم، الطبيب الذي يعمل حتى وإن كان مريضًا، وخاصةً إذا لم يُوجد طبيبًا غيره، وذلكَ لأنهُ يَعلم أن المرضَ ليسَ مُبررًا للتخاذل عن إنقاذِ الأرواح ، فهو الذي يتعاملُ مع فئةٍ كبيرةٍ من الشعب فهو ليس سياسياً ولا متصرفاً في أمور الشعب، لكنهُ مع الأسف إن فسدَ سقط المُجتمع سقوطاً حراً .وقفَ بجانبهِ على الفور ممسكًا بيده “المُمرض ” الذي يخسر راحتهُ لأجلِ راحة المرضى و يسهرُ لينام مريضه مرتاحاً قرير العين ، و يُعطي بلا حُدود دون انتظار الجزاء والشّكر مقابل ذلك ، و يساعدُ في شفاء من ابتُلي بمرض فيكونُ وكأنهُ أحيى الناسَ جميعاً. وها هو أخصائي المُختبرات الطبية يمسك بيد الممرض ويقول ” أُجري كل أنواع التحاليل الطبية من أجلِ تشخيصِ الأمراض ومعدل المواد الكيمائية الموجودة في أجسام المرضى. يتطلبُ عملنا الكثير من الفحص والدقة والعنايةِ الفائقة، لأنّ أرواحَ الناسِ مرتبطةً بالنتائج التي نتوصل إليها ونبلّغ عنها”.وها هو قد أتى الصحفيُ مُسرعًا يحملُ عدسته وأقلامه ليقومَ بتصوير الحدث، ويقوم بتوعيةِ المواطن وكأنه يقولُ لنا ” يجبُ أن نجمعَ وننشرَ المعلومات عن الأحداثِ الراهنة، والاتِجاهات ، وقَضايا الناس و نعملُ ريبورتاجات، و نُعد التقاريرَ لإذاعتها أو نشرِها في وسائل الإعلام المُختلفة مثل الصُحف والتلفزيون والإذاعة والمجلات؛ لنحذر من خطرِ فيروس الكورونا ، نُعطي معلومات عن الفيروس و عن حظرِ التجوال ، عن الإجراءات لمنع تفشى كورونا و الخطِ الساخن لوزارةِ الصحة، والكثير من المعلومات. ووقف مُمسكًا بيدِ الخباز الذي يُحول الخبز بعد ساعةٍ من وقتِ خبزهِ إلى أقراصٍ متساويةٍ، ويضعها بكل عناية في فرنٍ ضخمٍ شديد الحرارة .استوت الأقراص و صارت أرغفةً ناضجةً فائحةُ الرائحة . و قدم الناس بعد ذلك من كل مكان لشراء الخبز اللّذيذ . فالخباز هو رجلٌ عظيمٌ يصبرُ على لهيبِ النّار الحارقة طيلةَ اليوم ليقدم لنا خُبز الغداء أو العشاء ، للصغيرِ قبلَ الكبير ، للفقيرِ قبلَ الغني، لجميعِ أفرادِ المُجتمع من ضمنهم “الفلاح ” الذي أمسكَ بيد هذا الرجلِ الجُنديّ المجهول الذي يُطعمُ نفسه والآخرين من كدّ يَمينه وتعبه ، هو باختصار حارسُ الأرضِ والطبيعة ، المُشرف على سَلامتها الحافظُ لرونقها بعدَ الله ربِ العالمين، وكما قال عنه المُعلم الذي أخذَ بيدهِ وقال “احفر أين شئتَ في الأرضِ تجد كنزاً ، ولكن عليكَ أن تحفرَ بإيمانِ الفلاح”. هو ذاتهُ المُعلم الذي لا يقتصر على إيصالِ المعارف إلى أذهانِ تلاميذه، بل يضعُ لهم الخطط للدراسة بحيث يُمكنهم أن يستغنوا عنه وأن يُعَلِّمُوا أنفسهم مُستقلين مدى حياتهم. والعديد العديد من المهن ، الذين التفوا حولَ تلكَ الآفة التي يُطلق عليها ” الكورونا ” ورددوا بصوتٍ عالي “مصلحتنا أن تبقى أيدينا بيد الآخرين ، تعملُ وتبني لا تهدم، نكونُ مجتمعاً مثالياً خالياً من العنف، لا أحدَ يعلو على الثاني، ليسَ لمصلحةِ أحد بل للجميع، البناءُ والعمل واجبٌ وطني يحقق من خلاله خدمة المجتمع، العمل يداً بيد نتعلم الوطنية، شعبٌ نكره العدوانية، واجبنا ألا نترك بلدنا تعيسة” . وفجأة وقفتُ وصرختُ بأعلى صوت وقلتُ لهم ” دقوا للأردن تحيه يا نشمي ويا هالنشمية” . وقلتُ في نفسي هذهِ الغيمةُ سوف تنجلي وننزلُ إلى الشوراعِ نُردد كلنا ونقول ” يا صبايا قومن هاهن وبعز الأردن تباهن نشامى قوموا معاهن قوموا تنرقص معاهن قوموا تنرقص دحيه ، دقوا ودقوا دقوا للأردن تحيه” .