في أحد مخيمات النزوح بمواصي خان يونس جنوبي قطاع غزة، تقضي سلمى ساعات طويلة من يومها في رعاية والدتها التي أصابها "شلل نصفي" نتيجة تعرضها لشظايا صاروخ إسرائيلي أصاب منطقة الرقبة فأجلسها على كرسي متحرك.
سلمى التي لم تتجاوز الثالثة عشر من عمرها وهي أكبر أخوتها، باتت مسؤولة عن رعاية والدتها المقعدة، بالإضافة لتحملها دور الأم في الخيمة من خلال رعاية أخوتها وتأمين احتياجاتهم اليومية من توفير وإعداد الطعام وغيرها.
يشكل "ذوي الهمم" وأصحاب الإعاقات الحركية على وجه الخصوص، واحدا من أعقد التحديات التي أظهرتها حرب غزة، حيث يتطلب أصحاب الإعاقات رعاية طبية خاصة إلا أنها لم تعد متوفرة، بسبب تدمير الاحتلال للمنظومة الصحية والعيادات المتخصصة بإعادة التأهيل.
وكشف مصدر طبي وزارة الصحة بغزة لـ"قدس برس"، أن "الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة أدت لتعرض أكثر من خمس وعشرين ألفا لإصابات غيرت من مجرى حياتهم ويتطلب تأهيلهم سنوات أخرى".
يتحدث المصدر أن "من بين هؤلاء الجرحى تعرض عشرة آلاف لإعاقات دائمة وإصابات بالشلل الدائم، بسبب تعرضهم لإصابات مباشرة في مناطق الجهاز العصبي وتحديدا إصابات النخاع الشوكي والإصابات الدماغية والرقبة والعمود الفقري".
ويضيف أنه "تم التعامل مع نحو خمسة آلاف إصابة بالبتر، بالرغم من أن بعض الإصابات في الأطراف كانت متوسطة، ولكن الاحتلال أعاق إدخال المواد الطبية ودمر منظومة عمل المستشفيات، وأغلق المعابر أمام آلاف الحالات التي كانت تتطلب علاجا في الخارج، فكان الخيار الوحيد أمام الأطباء هو البتر".
صعوبات النزوح القسري
ليس سهلا أن تضم إحدى العائلات في كنفها مصابا من ذوي الهمم، أو جريحا تفاقمت حالاته الصحية فأصيب بالشلل وبات على كرسي متحرك، فرعايته بالنسبة للأسرة هو أمر شبه مستحيل في ظل الظروف القاهرة التي تمر بها غزة، إذ يتطلب نجاح ذلك جهدا متكاثفا من قبل الأسرة لإنجاحه.
تتضاعف هذه المعاناة حينما تبدأ أوامر الإخلاء الإسرائيلية، حيث أول ما يشغل الأهالي هي عملية نقل أصحاب الإعاقات الحركية، الذين لا يستطيعون المشي على أقدامهم، ولا يمكن نقلهم عبر الدواب (عربات تجرها الحصان والحمير).
تتكاثف الأسر فيما بينها لتجاوز هذه الأزمة حيث يتولى واحد أو اثنان عملية نقل ذويهم لمكان أكثر أمنا، وفور وصولهم للمكان ونصب الخيمة تتم مراعاتهم بوضع خاص من حيث تكييف المكان ليصبح ملائما لهم سواء في مكان النوم وصولا لدورة المياه.
الاحتلال يقتلهم مرتين
لم يكتف جيش الاحتلال بالتسبب بإصابة عشرات الآلاف من جرحى غزة بإعاقات دائمة، بل سعى إلى إحباطهم ومضاعفة معاناتهم من خلال فرض حظر على دخول الإمدادات الطبية للمشافي وأهمها الكراسي المتحركة وأقنعة الدماغ والأطراف الصناعية والسماعات الطبية وغيرها.
كما دمر الاحتلال مركز إعادة التأهيل وبناء الأطراف الوحيد الواقع في جنوب القطاع، والذي كان يقدم خدمات العلاج الطبيعي للمصابين بحالات الإعاقة الحركية، وهي أهم مرحلة من مراحل الشفاء المصابين بهذا النوع من الإصابات.
كما تفيد وزارة الصحة بغزة بارتقاء نحو أربعين طبيبا من أطباء العلاج الطبيعي خلال الحرب الدائرة في غزة.
انتهاك القانون الدولي
تجدر الإشارة إلى أن قطاع غزة كان يضم قبل الحرب الحالية نحو 58 ألفا من ذوي الإعاقة على اختلاف فئاتهم حركية وسمعية وبصرية وذهنية، وقد تضاعفت إعدادهم في هذه الحرب ما يتطلب سنوات من العمل لإعادة تأهيلهم في المجتمع.
ويمثل الواقع الحالي لذوي الإعاقة وعمليات استخدام الأسلحة الفتاكة التي ضاعفت من أعدادهم، انتهاكا فاضحا للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة.
إذ تنص اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي صادقت عليها دولة الاحتلال في عام 2012، على أن الدول الأعضاء، وفقا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، بحاجة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر، بما في ذلك حالات النزاع المسلح.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوما من الولايات المتحدة وأوروبا، للعام الثاني، عدوانه على قطاع غزة، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وخلّف العدوان نحو 148 ألف شهيد وجريح فلسطينيي، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.