سارة ملاعب
" أوصيك بأختك الصغيرة"... آخر كلمات... قالتها أمام باب مستشفى طردنا منه لعدم وجود سريرٍ. وهل نفدت الأسرّة؟
"أحملها على يدي"... قلت حين أغلق الباب في وجهي. وبعدها أقفلت أبواب أكثر... ماذا أقول لك يا أمي؟ فشلت بتنفيذ وصايتك؟ أعتذر، فمفاجآت لبنان تنجح في غدريَ دائماً. إسمها على لائحة المذيع، كان ينعى شهداء المرفأ على شاشةٍ قطعت آخر خيوط سعادتي. وإن سألتموني عن أبي فهو آخر أملٍ حياتي. رجل كبير خسر أمواله في المصرف وجلس ينتظرني لأؤمن دواءه بسعرٍ راتبي. هذا البلد لم ينعم عليّ ولو بلحظة استقرار، فأي استقرار ذاك الذي يسمح لأمٍ أن تنزف على بعد مستشفى؟ وأي أمن يسمح بقتل أرواح بريئة؟ وأي استقرار يقر حرمان رجل من جنى عمره؟... حاولت يا وطني، ولكن في كل مرة أتمسك بك كانوا يبعدوني عنك... ماذا نريد غير حياة مستقرة؟ هل ستبقى حقوقنا صعبة المنال؟ متى سيكبر همي ليصبح أبعد من التفكير في المأكل والمشرب؟ أعيش في بلد أخاف أن أمشيَ بشوارعه فأقتل بفعل رصاصةٍ طائشة، بلدٌ أشحد مالي من مصرفه، بلد جعلني أعلّق شهادتي وأحلامي على الحائط... ومهما كنت أحبك يا بلدي... فأحب عائلتي وراحة بالي ومستقبلي أكثر... أولادي لن يكبروا هنا أريد توسيع آفاق أحلامهم، فلِيسيروا بدرب النجاح، وليشقّوا درب سعادتهم بيدهم. أعدكم يا أولادي بأن أعلمكم، وأشفيكم، وأسعدكم. هذا وعدي... ولكي أنفذه سأبعد عنك يا وطني...
... ومرت السنون، ووجدت مصادفةً يوميات ولدي، أردت قراءتها لأقارنها بيومياتي... ولأعرف إن كنت قد وفيت بالوعد. هذه الصفحات هي أوراقٌ مكللةٌ بالبراءة... عرفت معنى السعادة وشعرت بالأمان والطمأنينة. روحٌ كانت أكبر همومَها اللعب بالطابة والتفوق بالمدرسة. يوميات مضمونها مليء بالراحة والسعادة لأن الاستقرار كان عنوانها...