دونالد ترامب ، عقوبات ، سلام
دونالد ترامب عاد. لم يشأ أن تكون انطلاقة عهده عادية وباهتة. بعد خطاب ناري في الكابيتول ورقصة السيف الاحتفالية، وقّع 350 أمراً تنفيذياً بالأسبوع الأول من ولايته.
وعد الملياردير الأميركي بالسلام وإنهاء الحروب، إلّا أنّه اتّخذ السلاح الاقتصادي مفتاح سياسته في الداخل متّهماً سلفه جو بايدن بسياسات اقتصادية فاشلة، ووجّه سهامه إلى الخارج أيضاً فجعل الرسوم الجمركية والعقوبات أدوات عقابية للدول "الخارجة عن إرادته". فهذه الرسالة الجديدة إلى الخصوم والحلفاء: بهذا السيف سأحكم!
أول المُعاقبين!
لم يتأخّر ترامب ليبدأ بالتنفيذ. والحدث كان في كولومبيا، إذ بدأت الأزمة عندما رفضت بوغوتا استقبال طائرتين عسكريتين أميركيتين تحملان مهاجرين مرحّلين، ما دفع ترامب إلى إصدار أوامر بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على جميع الواردات الكولومبية إلى الولايات المتحدة، مع تهديد بزيادتها إلى 50% خلال أسبوع إذا لم تمتثل كولومبيا مع قيود على تأشيرات الدخول للكولومبيين وتفتيش مشدّد على جميع الشحنات من كولومبيا.
وهدّد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو باتّخاذ إجراءات "انتقامية" بما في ذلك فرض تعريفات جمركية على المنتجات الأميركية لكنّه اضطر إلى العدول عن موقفه بعد الضغوط الاقتصادية والسياسية، وأعلنت الحكومة الكولومبية موافقتها على جميع شروط الإدارة الأميركية، التي ألغت بدورها إجراءاتها.
كسب ترامب الجولة ونفّذ إرادته. طبّق شروطه بالضغط. استغلّ ضعف الدول الكولومبية واقتصادها وحقّق ما يريده وأهم وعوده الانتخابية أمام جمهوره.
بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، تُعد كولومبيا واحدة من أكبر الدول المصدّرة للمهاجرين إلى الولايات المتحدة، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 1.2 مليون كولومبي يعيشون في أميركا، منهم قرابة 500 ألف في وضع غير قانوني أو يعانون من مشكلات تتعلّق بوضعهم القانوني.
وفق "بلومبرغ"، "بينما يبدو أن كولومبيا قد نجت من أزمة اقتصادية كبرى في اللحظة الأخيرة، فإن هذا الحدث يعكس التحدّيات التي ستواجهها الدول الأخرى في أميركا اللاتينية مع تشديد سياسات الهجرة الأميركية".
يعمل ترامب، رجل الاقتصاد، على فرض أي شيء بسلاحه الاقتصادي، معتبراً في ذلك السلاح الأنجح لإعادة عظمة الولايات المتحدة ومكانتها واحترامها أمام دول العالم.
ليست وحدها...
شاء قدر كولومبيا أن تكون أولى ضحايا ترامب. إلّا أن دولاً عدة تحت التهديد الأميركي، لكل منها أسبابها:
-المكسيك وكندا: هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الدولتين ما لم تتصدّيا للهجرة غير الشرعية وتجارة المخدّرات.
-الصين: هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات.
-الدانمارك: هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية ما لم تتنازل عن سيطرتها على غرينلاند.
-مجموعة البريكس: هدّد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) إذا ما تبنّت بدائل للدولار الأميركي.
أمام هذا الواقع، نقل تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" تحذيرات خبراء من أن يؤدي "الإفراط" في استخدام العقوبات والتعريفات الجمركية إلى تنفير الحلفاء وتحفيز الدول على إنشاء أنظمة مالية بديلة عن الدولار وتقويض نفوذ الاقتصادي الأميركي.
وعلى الصعيد المحلّي، أشار التقرير إلى تحذيرات اقتصاديين من أن التعريفات الجمركية واسعة النطاق يمكن أن تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار والتضخّم الاقتصادي، خصوصاً وأن كندا والمكسيك والصين تُعتبر أكبر 3 شركاء تجاريين للولايات المتحدة، وتصدّر هذه الدول أكثر من مليار دولار إلى الولايات المتحدة كل عام.
روسيا وإيران والحرب...
تشكّل الحرب الروسية على أوكرانيا أبرز الملفّات التي أعلن ترامب أنّه قادر على حلّها في يوم واحد، وهي ملف شائك يفصل العالم كلّه عن حرب عالمية ثالثة، تسعى جميع الدول إلى تجنّبها. وعلى الرغم من العلاقة التي تجمعهما، هدّد ترامب "صديقه" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعقوبات.
وقال في رسالته: "دعونا ننهي هذه الحرب، التي لم تكن لتبدأ أبداً لو كنت رئيساً! يمكننا أن نفعل ذلك بالطريقة السهلة، أو بالطريقة الصعبة - والطريقة السهلة أفضل دائماً، لقد حان الوقت لإبرام صفقة (...) أوقفوا هذه الحرب السخيفة! الأمور فقط تزداد سوءاً. إذا لم نبرم صفقة وفي وقت قريب، فلن يكون أمامي خيار آخر سوى فرض مستويات عالية من الضرائب والتعريفات والعقوبات على أي شيء تبيعه روسيا للولايات المتحدة، والعديد من الدول الأخرى".
أمّا إيران، فسيف العقوبات الأميركية يُنهك نظامها منذ عهد ترامب الأول، هو الذي انسحب من الاتّفاق النووي معها وفرض عقوبات قاسية عليها. ترك ترامب باباً صغيراً للدبلوماسية، فلمن ستكون الغلَبة؟
على ضفّة هذه الأحداث، شكّلت حرب غزة التحدّي الأكبر لترامب الذي هدّد بالجحيم إذا استمّرت. وتوصّلت حركة "حماس" وإسرائيل إلى اتّفاق أنهى الصراع الدائر بينهما منذ 15 شهراً قبل أيّام من يوم تنصيبه، وكانت لإدارته بصمة في ترتيب بنوده مع إدارة بايدن.
أما اليوم، فالجدل فتحه الرئيس الأميركي على مِصرعيه، إذ دعا إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر وسط أصوات معارضة ورافضة. فهل سـ"يسحب" ترامب سلاحه؟ وماذا ستكون التداعيات؟