في ضوء الرفض العربي الواسع لتهجير فلسطينيي غزّة إلى الأردن ومصر، واحتمال وقوف عمّان والقاهرة حجر عثرة أمام مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، كان السؤال عن مدى احتمال تهجير الفلسطينيين إلى سوريا بدل مصر والأردن، انطلاقاً من اعتبارات كثيرة قد تجعل المهمة الأميركية – الإسرائيلية أكثر سهولة.
سبق لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع أن رفض طروحات تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، معتبراً أنّها أفكار "ليست من الأخلاق والسياسة"، لكن ومن منظور سياسي، فإن إدارتي إسرائيل والولايات المتحدة قد تجدان في سوريا بديلاً موازياً لجملة من الاعتبارات، أبرزها ضعف سوريا بسبب الحرب وحاجتها إلى المجتمع الدولي ودعمه.
طرح تهجير الفلسطينيين إلى سوريا قد يقوم على مبدأ "ترامبيّ"، وهو الصفقة، أي "حاجة إسرائيل والولايات المتحدة إلى تهجير الغزيّين واستملاك القطاع"، مقابل "حاجة سوريا إلى الدعم الاقتصادي ورفع العقوبات الأميركية لإطلاق عمليات إعادة الإعمار والاعتراف الدولي بالقيادة الجديدة"، لكن وعلى المقلب الآخر، ثمّة عوائق كثيرة قد تحول دون نجاح المشروع، أبرزها الرفض السوري والفلسطيني المحتمل.
كبيرة محللي الشؤون الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية تهاني مصطفى "لا تتفاجأ" من هذه التقارير، وتقول إن سوريا قد تكون الخيار "الأكثر ترجيحاً" بين خيارات الأراضي المحتملة، وذلك لأنّ السلطات الجديدة "تحتاج إلى الدعم المالي والاستثمارات وإعادة الإعمار، ولتحسين الوضع السياسي في المجتمع الدولي واكتساب شرعية أممية"، وخصوصاً بعدما أعلنت أنّها تريد أن تكون "شريكاً متعاوناً".
وانطلاقاً من هذا الواقع الذي يضع سوريا في موقع "ضعيف لا يخوّلها الرفض" ويجعلها في حاجة إلى المجتمع الدولي، لا ترى تهاني مصطفى "قدرة" لسوريا على الوقوف في وجه هذا المشروع، بعدما رفضته مصر بشكل علنيّ وواضح ومثلها الأردن الذي لا قدرة له على استيعاب أعداد إضافية من الفلسطينيين لأسباب عديدة.
لكنّ ذلك لا يعني نجاح هذا الطرح، إذ قد يصطدم بعوائق سورية في حال قرّرت السلطات الانتقالية الجديدة رفض المشروع بدعم عربيّ، وأخرى فلسطينية، ووفق الباحثة، فإنّ "رفض" الفلسطينيين الخروج من غزّة خلال الحرب وبعدها "وتفضيلهم الموت في أرضهم على العيش كلاجئين في دول أخرى" هو العائق الأبرز.
لكن في هذا السياق، كان ثمّة سؤال عن احتمالية قبول الغزّيين الانتقال إلى سوريا أو تفضيلهم إيّاها في حال كان التهجير أمراً محتّماً، كون سياسات السلطات الجديدة في سوريا وقادتها الذين كانوا في ما قبل "هيئة تحرير الشام" ليست بعيدة عن أفكار حركة "حماس" الإسلامية الأيديولوجية، ما قد يشكّل بيئة خصبة للغزّيين.
تستبعد مصطفى هذه الفرضية، وإذ تقول إن مجتمع غزّة "محافظ إلى حدّ ما"، إلّا أنّها تشير إلى أنّ "ارتباط الغزيين بهذه الحركات (حماس والجهاد الإسلامي) قائم على مناهضة الاستعمار وليس الأيديولوجيا أو الدين، كون المجتمع الفلسطيني عموماً ليس دينياً أو عقائدياً".
في المحصّلة، يبقى خيار سوريا طرحاً لا يرقى بعد إلى مستوى الجدّية، كون الإدارتين الأميركية والإسرائيلية لم تتطرّقا إلى تهجير الفلسطينيين إليها بشكل رسميّ وعلنيّ مع اقتصار الخيارات المطروحة على الأردن ومصر، لكنّها خيار محتمل بسبب الواقع السياسي القائم، وأوراق الضغط التي تمتلكها واشنطن وتل أبيب في وجه دمشق.