"(أتمنى) ميلاداً مجيداً للجميع بمن فيهم جنود الصين الرائعون، الذين وبشكل محبوب لكن غير قانوني يديرون قناة بنما". لم يكن ذلك نوع المعايدة التي يحب حلفاء وشركاء أميركا بالضبط سماعها، لكنه لا يشذ كثيراً عن طريقة تعبير الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وعلى أي حال، لم تنطلق المعايدة من عدم.
قبل ذلك بأيام قليلة، وتحديداً في 22 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هدد الرئيس ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما في منشور على موقع "تروث سوشيل". تحدث ترامب عن منافع القناة التجارية والقومية والعسكرية للولايات المتحدة مشيراً إلى أن أميركا فقدت 38 ألف عامل وسط ظروف البناء الصعبة (عدد القتلى الأميركيين بالآلاف على الأكثر وفق موقع "هيستوري"). وذكّر بأن بلاده تخلت عن سيادتها على القناة كي تديرها بنما لا الصين. ووصف رسوم الترانزيت التي تأخذها بنما من السفن الأميركية بـ"السرقة". وكرر ترامب موقفه في مناسبات لاحقة، من بينها لحظة إعلانه مرشحه لمنصب سفير أميركا في بنما كفين مارينو كابريرا. رفض الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو اتهامات ترامب، كما رفض حتى إجراء محادثات مع الرئيس المنتخب بشأن مصير القناة.
جزء من تعليقات أوسع
في البداية، بدا الكلام أقرب إلى نوع من التنمر. "دونالد ترامب، المتنمّر، عاد"، على ما كتبه أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسان الوطنية (كوريا الجنوبية) روبرت كيلي أواخر الشهر الماضي في موقع "1945". وتابع: "قلة تعتقد أن ترامب سيجتاح بنما أو المكسيك"، في إشارة إلى تعليقات مشابهة للرئيس المنتخب هدد بها مجموعة من الدول. قال ترامب إنه سيضم كندا لتصبح الولاية الواحدة والخمسين إذا استمرت الرسوم المرتفعة، وأعلن رغبته بشراء غرين لاند من الدنمارك. الأستاذ السابق لمادتي الأمن والديبلوماسية في جامعة كنتاكي الدكتور روبرت فارلي وصف كلام ترامب عن ضم كندا بأنه "حلم محموم".
وقال المخطط الاستراتيجي الديموقراطي أنطوان سيرايت إن تركيز ترامب على المناطق الثلاث ومن بينها بنما هو إلى حد ما "تكتيك تشتيتيّ للانتباه" بعد فوضى الكابيتول بشأن التمويل الحكومي.
مع ذلك، يمكن أن يكون ضم كندا واستعادة السيطرة على قناة بنما ملفين مختلفين من حيث المقاربة الأميركية. في حين يبدو الطرح الأول خيالياً لأسباب دستورية وتاريخية ومصلحية، بإمكان ترامب وحتى مؤيديه أن يستندوا إلى مصلحة قومية مباشرة لواشنطن في دعم حججهم لاتخاذ إجراءات ملموسة.
مقارنة حسّاسة
بنت الولايات المتحدة قناة بنما طوال 9 أعوام وافتتحتها سنة 1917. كان المشروع من بين الأكثر تكلفة في التاريخ الأميركي. منحت بنما أميركا حق بناء القناة في مقابل دعم الأخيرة انفصالها عن كولومبيا، لكن عدداً من البنميين شكك في مشروعية الاتفاق مما أثار توترات دورية بين البلدين. سنة 1977، وقّع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والرئيس الأعلى للثورة البنمية عمر توريخوس، اتفاقاً أعاد القناة لسيادة بنما بدءاً من سنة 2000. ويعدّ النقل السريع للسفن الحربية الأميركية بين المحيطين الأطلسي والهادئ حيوياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بينما تمثل الولايات المتحدة وجهة أو منطلقاً لنحو ثلثي حركة الملاحة التي تمر عبر القناة.
شبّه النائب المساعد لكبير موظفي البيت الأبيض في ولاية ترامب الأولى ألكسندر غراي تصريحات الرئيس المنتخب حيال بنما بتصريحات رونالد ريغان، مشيراً إلى أن الشخصيتين تدركان بدقة مصلحة واشنطن في تلك القناة، وعلى أي حال، هذا ما أدركه تيودور روزفلت الذي أمر بتأسيس المشروع. وأضاف في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنترست" أنه وفي مناظرة رئاسية مع كارتر، شكك ريغان بجدوى ما تركته خطوة منافسه في ذهن الحلفاء بشأن "نوايانا القيادية، ودورنا الدولي، ونظرتنا الخاصة إلى إمكانات دفاعنا القومي".
تترك هذه المقارنة وقعها بين مناصري ومستشاري ترامب بالنظر إلى التأثير الكبير الذي يتمتع به إرث ريغان بين الجمهوريين حتى اليوم. كذلك، عبّر النجاح في شق قناة بنما الذي راوغ عدداً من الإمبراطوريات السابقة عن ترسيخ الولايات المتحدة بصفتها "قوة عظمى هندسية وتكنولوجية"، بحسب تقرير لـ"سي أن أن" الأميركية.
لكن مهما كانت مبرراتهم لاستعادة السيطرة على القناة، يقدم ترامب ومستشاروه كل الأسباب الخاطئة في التعامل مع القضية بحسب مراقبين.
ليست الطريقة الملائمة
محرر شؤون الأميركيّتين في "الإذاعة الوطنية العامة" تيم بادجيت دافع عن قرار كارتر لأنه حسّن صورة واشنطن في القارة الأميركية وحوّل القناة من "أصل عسكري غير فعال إلى مشروع تجاري حيوي". وأضاف أن ترامب محق في التخوف من النفوذ الصيني في القناة، لكن معالجة المشكلة تحل بالديبلوماسية والشراكات الاستراتيجية، ولا تُحل بالتنمر التهديدي ولا بالقول إن بنما "تسرق" واشنطن، علماً أن رسوم الترانزيت هناك شبيهة برسوم القنوات العالمية الأخرى مثل السويس.
على صعيد التداعيات، ما يبدو واضحاً حتى الآن، أن كلمات ترامب قد تطلق رد فعل سلبياً معاكساً لما أراده كارتر، الرئيس الأسبق المتوفى حديثاً والذي نالت مسيرته الإنسانية على الأقل إشادات كثيرة. تولد تعليقات ترامب توترات مجانية بين الحلفاء، وكما كتب كيلي من جامعة بوسان، تؤدي إلى دفع الحلفاء نحو أحضان الصين. علاوة على ذلك، ليست الصين قادرة على السيطرة على بنما كما يروج لذلك أنصار ترامب، إذ هي تعاني أساساً في السيطرة على المياه القريبة منها، بحسب رأيه.
بينما لا تبدو أميركا في وارد ضم أراضٍ بالطريقة التي يتحدث عنها ترامب، قد يشكل التركيز على "خطر" بكين المتمثل في تشغيل شركة صينية لميناءين من الموانئ الخمسة بالقرب من القناة، دافعاً كي تتخذ الإدارة المقبلة إجراءات سياسية واقتصادية ضد بنما، لحثها على مفاوضات معينة. ويعرب عن القلق من نفوذ الصين مراقبون غير جمهوريين بحسب "نيويورك تايمز" الأميركية. "أن تكون مشغلّاً لميناء أو محطة يمنحك القدرة على الوصول أو اكتساب معرفة ما تبحث عنه الحكومة الأميركية، أي حاويات يمكن أن تكون هدفاً لتقييم إضافي" كما قال مايكل ويسيل، عضو سابق في "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين".
كلام ترامب عن بنما لمّا تنتهِ فصوله بعد.