الصحة النفسية __ استثمار __ الأردن __ الدكتورة أحللام __ صوت جرش
د. أحلام ناصر
إن الاستثمار في الصحة النفسية للأسرة ليس مجرد خيار، بل هو الأساس لتحقيق حياة متوازنة وسعيدة تعزز الأمن الاجتماعي وتنعكس إيجابيًا على جودة الحياة. وفقًا لـ"نظرية النظام العائلي" Family Systems Theory) ) للعالم النفسي موراي بوين، تُعتبر الأسرة نظامًا مترابطًا يتأثر فيه كل فرد بسلوكيات، عادات، وتقاليد الآخرين. يُظهر هذا الترابط كيف يمكن لأفعال ومعتقدات كل عضو أن تؤثر على ديناميكيات الأسرة، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. بناءً على ذلك، تصبح العلاقات الأسرية محكومة بالتأثيرات المتبادلة، مما يجعل التواصل الفعّال والفهم المتبادل ضروريين للحفاظ على الاستقرار والتوازن بين أفراد الأسرة.
الصحة النفسية للأسرة تعتمد على هذا التوازن، وعندما نولي أهمية لتعزيز الروابط العائلية وحل المشكلات بشكل جماعي، نخلق بيئة صحية تعزز رفاهية الأفراد والأسرة والمجتمع ككل. أي خلل في هذه العلاقات أو ضعف في التواصل يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على استقرار الأسرة والمجتمع، مما يبرز أهمية الاستثمار في الصحة النفسية للأسرة لتحقيق الاستدامة الاجتماعية والنفسية.
المبادئ الأساسية للصحة النفسية للأسرة وفقًا لنظرية النظام العائلي:
1. التماسك العائلي: يعتبر التماسك بين أفراد الأسرة أحد أهم مؤشرات الصحة النفسية للأسرة. نظرية النظام العائلي تشير إلى أن الأسرة الصحية هي التي تحقق توازنًا بين الاعتماد المتبادل بين أفرادها، والاستقلالية الشخصية لكل فرد. تماسك الأسرة يسهم في خلق بيئة داعمة وآمنة تساعد على تخفيف الضغوط النفسية.
2. التواصل الفعال: التواصل الصحي بين أفراد الأسرة هو عنصر رئيسي لتحقيق الصحة النفسية. النظرية تشير إلى أن التواصل المفتوح والواضح بين الأفراد يعزز الفهم المتبادل ويقلل من سوء الفهم، مما يؤدي إلى علاقات أكثر استقرارًا ودعمًا عاطفيًا.
3. التكيف مع التغيير: كما أن الأسرة الصحية هي التي تستطيع التكيف مع التغيرات الداخلية والخارجية دون التأثير على استقرارها. سواء كانت هذه التغيرات نتيجة ضغوط خارجية (مثل الانتقال لمكان جديد أو فقدان وظيفة) أو داخلية (مثل التغيرات في الأدوار أو النمط العائلي)، فإن القدرة على التكيف أيضا يعتبر عاملًا أساسيًا في الحفاظ على الصحة النفسية للأسرة من جانب اخر.
4. تنظيم الادوار داخل الأسرة: تشير نظرية النظام العائلي إلى أهمية فهم الأدوار داخل الأسرة وتوزيعها بشكل متوازن. كل فرد في الأسرة يجب أن يكون له دور محدد ومناسب لاحتياجات الأسرة، مع وجود مرونة في التعامل مع التغيرات في هذه الأدوار حسب الحاجة. عندما تكون الأدوار غير متوازنة أو غير واضحة، يمكن أن يحدث توتر نفسي بين الأفراد.
5. حل المشكلات العائلية: وفقًا للنظرية، العائلات التي تتبع نهجًا بناءً في حل المشكلات وتحليل التحديات تكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات. حل المشكلات بشكل جماعي يعزز من قدرة الأسرة على مواجهة التحديات النفسية بشكل أكثر فعالية.
أهمية الصحة النفسية في الأسرة
1. تعزيز التواصل الفعّال: الصحة النفسية الجيدة تسهم في تحسين مهارات التواصل بين أفراد الأسرة. عندما يكون الأفراد قادرين على التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم بوضوح، تقل احتمالية حدوث سوء الفهم والنزاعات.
2. بناء علاقات قوية: العلاقات الأسرية تعتمد بشكل كبير على الصحة النفسية لكل فرد. الدعم العاطفي والتفاهم المتبادل يعززان الروابط الأسرية ويجعلانها أكثر قوة واستدامة.
3. التعامل مع الضغوط والتحديات: الحياة مليئة بالتحديات مثل الضغوط المالية، المشاكل الصحية، أو ضغوط العمل. الصحة النفسية الجيدة تساعد الأفراد على التعامل مع هذه الضغوط بفعالية، مما يقلل من تأثيرها السلبي على الأسرة بأكملها.
4. تعزيز النمو الشخصي للأطفال: الأطفال الذين ينشأون في بيئة أسرية تدعم صحتهم النفسية يكونون أكثر قدرة على تطوير ثقتهم بأنفسهم، مهاراتهم الاجتماعية، وتحقيق إمكاناتهم الأكاديمية والمهنية.
5. الوقاية من المشاكل النفسية: بيئة أسرية داعمة تساعد في الوقاية من تطور المشاكل النفسية مثل الاكتئاب والقلق، من خلال توفير الدعم العاطفي والتشجيع على البحث عن المساعدة عند الحاجة.
ختاماً: الصحة النفسية تشكل الأساس المتين لبناء أسرة سعيدة ومتناغمة. من خلال تعزيز التواصل الفعّال، تقديم الدعم العاطفي، وتنمية بيئة منزلية صحية، يمكن للأسرة أن تتغلب على التحديات اليومية وتحقق رفاهية جميع أفرادها. في النهاية، الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع، وصحتها النفسية تؤثر بشكل مباشر على رفاهية المجتمع بأسره وتقلل الامراض الاجتماعية ومن ضمنها العنف الاسري والمدرسي وكذلك نسب الجريمة. لذا، فإن الاستثمار في الصحة النفسية للأسرة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لتحقيق حياة متوازنة وسعيدة للجميع.