شهدت أطلال منزل رئيس المكتب السِّياسيِّ لحركة المقاومة الإسلاميَّة (حماس) الرَّاحل يحيى السَّنوار، في خان يونس جنوبيَّ قطاع غزَّة، عمليَّة تبادل أسرى بين فصائل المقاومة الفلسطينيَّة وإسرائيل.
وتحوَّل المنزل، الَّذي دمَّرته إسرائيل خلال الحرب الأخيرة، إلى رمز للمقاومة والصُّمود بعد أن اختارته كتائب القسَّام- الجناح العسكريُّ لحماس- مسرحًا لإطلاق سراح أسيرين إسرائيليَّين كانا في قبضة سرايا القدس الجناح العسكريُّ لحركة الجهاد الإسلاميِّ، في إطار الدُّفعة الثَّالثة من تبادل الأسرى حسب اتِّفاق وقف إطلاق النَّار، وسط حضور جماهيريّ كبير تأييدًا للمقاومة الفلسطينيَّة.
وجاءت هذه العمليَّة كجزء من اتِّفاق وقف إطلاق النَّار الَّذي نصَّ على تبادل الأسرى، وهو ما يمثِّل رسالةً قويَّةً إلى رئيس الوزراء الإسرائيليِّ بنيامين نتنياهو، تؤكِّد أنَّ القوَّة العسكريَّة وحدها لا تكسر إرادة الشَّعب الفلسطينيِّ.
من جهته، علَّق الإعلام العبريُّ على مشاهد تسليم الأسيرة "الإسرائيليَّة" أربيل يهود الأكثر شهرةً في غزَّة، في مدينة خانيونس، تحديدًا أمام منزل قائد حماس الشَّهيد يحيى السَّنوار، قائلاً: " هذه مشاهد مذلَّة ".
وحسب ما نشرت "معاريف" على موقعها، الخميس، أنَّ عمليَّة التَّسليم كان لها رمزيَّةً مهمَّةً، فقد انتظرت السَّيَّارة الَّتي كانت تقلُّ الأسرى الإسرائيليِّين قرابةً ال 40 دقيقة، وذلك حتَّى تستطيع المرور من أمام منزل يحيى السَّنوار، الَّذي قتل وهو يعمل على إذلال " إسرائيل ".
وأضافت الصَّحيفة العبريَّة أنَّه كان من الممكن نقلهم من سيَّارات الآسرين إلى سيَّارات الصَّليب الأحمر، ولكنَّ حماس تعمَّدت ذلك التَّأخير، لأنَّ (إسرائيل) أخَّرت عودةً النَّازحين إلى شماليِّ غزَّة، وتعمَّدت حماس أيضًا إنزالهم للمشي أمام منزل السَّنوار، وذلك إمعانًا في إذلال (إسرائيل ) ، وندِّيَّة للطَّريقة الَّتي عاد بها سكَّان شماليَّ غزَّة مشيًا على الأقدام عبر شارع الرَّشيد.
ما رسائل القسام؟
من جهته، رأى الخبير العسكري الفريق المتقاعد قاصد محمود، أن حركة حماس حاولت جلب الإسرائيليين إلى مربع بيت السنوار الذي دمره الجيش الإسرائيلي، مضيفاً أن في ذلك محاولة لإظهار ما وصفه "الزهو الفلسطيني".
ولم يستبعد الفريق المتقاعد أن يكون تسليم الأسرى المقبل عند أنقاض بيت رئيس الحركة الأسبق الشهيد إسماعيل هنية.
"مشهد استثنائي"
واعتبر الفريق محمود أن المشهد اليوم "استثنائي"، والفصائل أبدت مرونة واضحة ولهم مصلحة في إتمام العملية، بعد الخلاف الذي حصل بشأن الأسيرة أربيل يهود.
وأظهرت المشاهد والالتفاف الشعبي "صورة حقيقية عن الروح الفلسطينية" التي تعلو فوق الجراح والخسائر والدمار، وفق الفريق محمود.
"عرض قوة"
وتحدث محمود عن وجود عرض قوة من قبل حركة حماس والفصائل المشاركة معها بهدف إثبات أن "سردية الخسائر والدمار غير صحيحة تماماً" بالنسبة للجانب العسكري.
وبشأن طريقة التسليم وانتشار المقاتلين، وتسليم الأسرى مشياً بين الحشد البشري، قال محمود إن المشهد عبارة عن "استعراض قوة حقيقي" لإرسال رسائل بعد زعم إسرائيل القضاء على "المقاومة" وإثبات أنها لا تزال موجودة، وفق قوله.
واعتبر أن المشي بين الحضور فيه احتكاك بالشعب، وقال إن كتائب القسام تريد، تعزيز حضورها لدى الفلسطينيين.
وبشأن التسليم في موقعين مختلفين، الأول في جباليا شمال قطاع غزة، والثاني في خان يونس في الجنوب، تحدث الفريق محمود عن حسابات أمنية، واحتمالية وجود مكان احتجاز الأسيرة، كما أن الفصائل تريد إرضاء مختلف المناطق في قطاع غزة.
واعتبر أن سبب وجود حشد سكاني كبير في عملية التسليم في خان يونس، قد يعود إلى أن التسليم في المرات الماضية حدث في الشمال، وهي المرة الأولى التي يجري التسليم جنوباً منذ وقف إطلاق النار.
أما من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أنه" لا يوجد في الاتفاق نصا يمنع حركة "حماس" من ممارسة ذلك" .
وأضاف القرا:" من الطبيعي أن تستغل حركة "حماس" هذا الحدث من أجل إيصال رسائل مهمة، وهي تجيد الحرب النفسية بقدر ما أجادت المقاومة على مدار حرب الإبادة".
وأشار إلى وجود دلالة مهمة أن يكون التسليم من مخيم جباليا وكذلك أمام منزل السنوار في خان يونس ، مع صورة الخنجر الذي يغرس في جسد شعار لواء جفعاتي .
واعتبر القرا أن تعليق الإعلام الإسرائيلي على هذه الاستعدادات يؤكد مدى نجاح هذه الطريقة من قبل كتائب القسام.
من جهته شدد الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة أن اختيار جباليا وخان يونس لها دلالات كثيرة جمعت هذه المناطق بالأسرى ورموز المقاومة وأدائها في الميدان، ليؤكد ذلك أن اليد العليا للمقاومة.
وقال أبو شمالة:" مخيم جباليا الذي دمره العدو بكل أنواع الأسلحة لعدة أشهر، يرتدي اليوم ثوب الفرح، وهو يشارك في عملية تبادل الأسرى، ويساهم في إطلاق سراح عشرات أسرى المؤبدات من أبناء الضفة الغربية المحتلة".
واضاف: ستكون خان يونس ومن أمام منزل يحيى السنوار مشاركة في هذا العرس الفلسطيني؛ ما يعني أن وعدك يا يحيى السنوار بتحرير أسرى المؤبدات عنوة وخاوة قد تحقق."
وتابع :"نم قرير العين يا شهيد، فلم تخذلك غزة، ولن تخون العهد الضفة الغربية، ولما تزل المقاومة صاحبة الكلمة العليا.".
وقالت حركة المقاومة الإسلامية حماس، إن كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية تثب مجددًا قدرتها العالية على التحكُّم في المشهد عبر عمليات تسليم منظمة أبهرت العالم، وبعد أن مرّغت أنف جيش العدو المجرم في رمال غزة.
وأوضحت حماس في تصريح صحفي، أنَّ الحدث يؤكد وحدة كتائب القسام وسرايا القدس وقوى المقاومة في الميدان وفي إدارة عملية التبادل التي تمت أمام بيت الشهيد القائد يحيى السنوار.
وأضافت "تنوع تنفيذ عمليات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من مختلف مناطق القطاع، في جباليا الصمود، وفي خانيونس ومن أمام بيت القائد الشهيد المشتبك يحيى السنوار، رسالة للعالم بأن شعبنا باقٍ على أرضه، وسيواصل المقاومة، ومُصَمِّم على التحرير والعودة".
وأكدت أنّ المناطق التي دمرها الاحتلال وأعدم الحياة فيها تشهد اليوم أحد مشاهد الانتصار لشعبنا ومقاومتنا في تحقيق وإنجاز عمليات التبادل.