يبدو أن النسيان لا يقتصر على البشر وحده، بل يعاني ذباب الفاكهة من ذلك أيضاً. وبما أن عمر ذبابة الفاكهة لا يتجاوز الشهرين، فإنها تُعدّ نموذجاً مفيداً لفهم التدهور المعرفي والإدراكي المرتبط بالشيخوخة.
يبدو أن النسيان لا يقتصر على البشر وحده، بل يشمل كذلك ذباب الفاكهة. وبما أن عمر ذبابة الفاكهة لا يتجاوز الشهرين، فإنه يمنحنا الفرصة لمعاينة نموذج مفيد لفهم التدهور المعرفي والإدراكي المرتبط بالشيخوخة.
وبيَّنت دراسة حديثة، نُشرت في مجلة "نيتشر"Nature ، أن تراكم نوع من البروتين، يُسمّى "إف- أكتين" (F-actin) في خلايا الدماغ، يؤدّي إلى تعطيل عملية "تنظيفها" من مكوّنات غير ضرورية.
ويؤدي تراكم تلك "الفضلات" إلى تراجع وظائف الخلايا العصبية ويسهم في التدهور المعرفي والإدراكي.
ومن خلال تعديل بعض الجينات المحددة في أعصاب دماغ ذبابة الفاكهة المتقدمة في العمر، تمكّن الباحثون من منع تراكم F-actin والحفاظ على عملية تنظيف الخلايا وتجديدها، مما أدى إلى إطالة فترة الحياة الصحية لذبابة الفاكهة بمقدار 30 في المئة.
تنظيف الدماغ وتجدّد أعصابه
توضيحاً، يُعدّ الأكتين نوعاً من البروتينات التي تساعد على إعطاء الخلايا شكلها وبنيتها ووظائفها، ويوجد بكثرة في جميع أنحاء الجسم.
وفي تلك الدراسة، لاحظ فريق علمي أميركي قاده الباحث إدوارد شميت تراكم بروتين "إف- أكتين"في أدمغة ذباب الفاكهة المتقدمة بالعمر. وبالتالي، طرحوا سؤالاً عن علاقته بالشيخوخة وأحوالها في الدماغ.
وعمد الفريق إلى تغذية مجموعة من ذباب الفاكهة بموادّ لا تؤدي إلى الإكثار من توليد البروتين "إف- أكتين"، مما أدّى إلى تحسّن في معدل العمر ومستوى أداء تلك المجموعة.
وفي خطوة لاحقة، جرت معالجة مجموعة من ذباب الفاكهة بعقار "راباميسين" (rapamycin)، الذي يعرف بأنه يرتبط بإطالة أعمار تلك الكائنات، فتبيّن أن "إف- أكتين" انخفض في أدمغة تلك المجموعة.
التأثير على عملية الشيخوخة
للتعمق في فهم تلك المعطيات، لجأ الفريق إلى علم الوراثة، بحسب ما أوضح الباحث ووكر. ومع توفر خريطة الجينوم الكامل لذبابة الفاكهة، عمل الفريق على استهداف جين محدّد معروف بقدرته على تعطيل تكوُّن بروتين "إف- أكتين".
يشرح سميث، الذي يعمل الآن باحثًا في "معهد أركنساس لعلوم الحياة" بأن تعطيل الجين المُستهدَف في الخلايا العصبية المتقدمة بالعمر، أدى إلى "منع تراكم F- actin في الدماغ"، بمعنى أن عملية شيخوخته تباطأت في أدمغة تلك المجموعة من ذباب الفاكهة.
واستند الفريق أيضاً إلى بحوث عن تدخل بروتين "إف- أكتين" في "نظام التخلص من النفايات" في خلايا في الجسم، خصوصاً الدماغ. يُضاف إلى ذلك أن بحوثاً سابقة أظهرت أن ذلك النظام يصبح أقلّ نشاطاً مع تقدّم العمر، ولكن لم يكن أحد يعرف السبب تحديداً.
بالتالي، كشفت الدراسة الجديدة عن أن منع تراكم F-actin أدى إلى تنشيط عملية التخلّص من "النفايات" في خلايا أدمغة ذباب الفاكهة المتقدّمة بالعمر، بالإضافة إلى حدوث عملية تجدّد فيها.