مقالات __ كتاب __ صوت جرش
في تواقيت متزامنة ومترابطة أيضا، يتحرك الأردن باتجاهين، وفد سوري سياسي وأمني وعسكري يزور الأردن، ووفد أردني سياسي وأمني وعسكري يذهب إلى أنقرة.
الزلزال السوري ترك اهتزازات ارتدادية على كل الإقليم، من حيث النموذج الذي يمثله من حيث سرعة سقوط النظام السوري، وتخلي إيران وروسيا عنه، بعد انكشاف الظهر الإقليمي في لبنان، ومع هذا نموذج سياسي إسلامي، لا يريد حربا مع إسرائيل، واستثمرت في توقيت حكمه لسورية، لتحتل مناطق جديدة من سورية، في ظل تناقضات في الموقف من النظام الجديد، ما بين التشكيك الغربي والعربي أحيانا، أو رعاية الأمّ التركية أو حتى رغبة العرب بتعزيز قوة النظام الوريث للخلاص من النفوذ الإيراني.
هذا النموذج له ارتداده الإقليمي وقد يهدد بنسخ التجربة في دول ثانية، لأن العنوان الإسلامي بكل درجاته السياسية أو الجهادية، أو الأكثر تسامحا قابل للنسخ في المنطقة، والكل يدرك أن القوى المتنفذة في العالم، توظف أي نموذج من أجل إعادة ترتيب أوراق منطقة ما، عبر الهدم وإعادة البناء ثم الهدم وقد تسعى لاحقا للتخلص من النموذج ذاته وفقا لحسابات جديدة، كلها.
الأردن هنا معني بعدة ملفات، إذ إن ما هو أهم هو استقرار سورية، ولعل تصريحات وزير الخارجية في أنقرة ركزت على استقرار سورية، ومحددات ملف الأكراد والدروز، لتجنب قبول أي تقسيم في سورية، ولتحفيز تركيا على منع التقسيم، خصوصا، أن التقسيم هنا يرتد على الأردن الذي تجاور حدوده مناطق درزية، وسنية، مثلما أن هناك مخاوف من انفصال الدروز تحديدا، وما قد يستجد على جبهات العلويين والمسيحيين، في سورية التي تعاني اليوم من التشظي الداخلي، وعدم توفر المال، والخوف أيضا من نشوء جماعات متطرفة، أو تفعيل جماعات متطرفة غائبة جزئيا، بما يعينه ذلك على أمن الحدود بين الأردن وسورية، إضافة إلى كون الأتراك ضمانة قوية للأردن، كون أنقرة تدير سورية فعليا، على صعيد الأمن وحتى الاقتصاد والتجارة، وبدون العبور ببوابة الأتراك لا يمكن أن يكون للأردن مساحة مناسبة في سورية جديدة، حيث شهدنا سابقا إغلاق الإيرانيين للبوابات السورية في وجه الأردن.
وفد الأردن إلى تركيا التي تعد الأم الحاضنة للمشروع السوري الجديد، والذي ضم وزير الخارجية ومدير المخابرات وقائد الجيش، بعني بكل وضوح أن الزيارة ذات أبعاد متعددة، وهذا يعني أيضا وجود هواجس أردنية بشأن الملف السوري، حيث حاجة الأردن أساسية إلى الدمج بين مسارات الاقتصاد والأمن، وضمان عدم حدوث تغييرات في خريطة سورية ذاتها، وإطفاء كل الاحتمالات لذلك، وتحديدا ما يتعلق بمتطلبات التكوينات السورية المتعددة، وإنهاء حالة الفلتان التنظيمي المسلح، ووجود التنظيمات العسكرية والدينية والقومية.
يتزامن هذا كله مع وصول وفد سوري سياسي أمني عسكري إلى الأردن، وعلى الأرجح أن التوافقات مع السوريين ستكون أسرع بعد زيارة أنقرة، وستكون ارتدادا مباشرا لها، لأن متطلبات الأردن من السوريين متعددة على صعيد ملف الجماعات العسكرية، والحدود، والمخدرات، والتجارة، وبقية الملفات المرتبطة باحتمالات التعاون بين البلدين، وهنا لا بد أن يشار إلى أن الأردن لديه هواجسه ايضا من المرحلة المقبلة، إدراكا منه لوجود جهات عديدة ستحاول جر سورية الى سيناريو محدد، قد ينعكس على الأردن، لدرجة المخاوف من حدوث اقتتال داخلي من نوع ثان، يؤدي إلى هجرة سورية جديدة الى الأردن، من السويداء حيث الدروز، ومن مناطق الجنوب، وهو أمر لا ينقص الأردن الذي يراهن على توليد بيئة لعودة السوريين، وليس قدوم موجات جديدة للأردن، أو نشوء دويلات انفصالية مجاورة للأردن.
يكمن الملف الأخطر، أي ملف التنظيمات العسكرية، والحذر من استقطاب أردنيين إليها، في حالة تم فتح الحدود كليا، أو خروج تنظيمات عن يد سلطة دمشق الجديدة، بما فيها تنظيمات مثل داعش، حيث يهدد الأكراد أيضا في شرق سورية، بإخراج أكثر من 12 ألف مقاتل من السجون بما يعنيه ذلك على صعيد سورية ذاتها، واشتعال الجنوب المجاور للأردن.
تركيا والأردن أهم جارين لدمشق الجديدة التي باتت حاجزا عازلا بين إيران والعراق من جهة وسورية ولبنان وفلسطين، من جهة ثانية، لكنها أيضا تواجه ملفات داخلية أكثر ثقلا وحساسية.