الممر الطبي الأردني ينقذ الأرواح .. أطفال القطاع يعودون بعينٍ تبتسم للحياة الخارجية تتسلم نسخة من أوراق اعتماد سفير رواندا تعزيز مشاريع الحصاد المائي في عجلون لمواجهة شح المياه والتلوث ردم 17 بئرًا قرب سد الكفرين البلقاء التطبيقية تنفي وقوع حالة طعن داخل الحرم الجامعي "النزاهة" تعقد برنامجاً تدريبياً بالتعاون مع "الإدارة المحلية" الشوبك مدينة الثقافة الأردنية لعام 2025 انطلاق فعاليات مؤتمر الشباب والتكنولوجيا الـ24 غدا الضمان يعلن مقدار الزيادة السنوية للمتقاعدين وموعد صرفها "البلقاء التطبيقية" تبحث ووفداً ألمانيا تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع المدن الإسفنجية "كلنا الأردن" تختتم دورة في صناعة المحتوى الرقمي في العقبة الزراعة: حملة وطنية للإدارة المتكاملة لأشجار الزيتون وزيرة النقل تبحث مع السفير التركي سبل تعزيز التعاون في قطاع النقل 10.7 مليون إيرادات العقبة الخاصة حتى نهاية آذار افتتاح معرض الأعمال الإنتاجي لطلبة التعليم المهني في العقبة إطلاق مسار "سياحة الفلك الآثاري" في البترا مدير الأمن العام يرعى حفل تخريج دورة اعداد وتأهيل المستجدين وزير الصحة يفتتح عيادات القلب والجراحات التخصصية في "البشير" افتتاح مدرستين جديدتين في قصبة إربد أجواء معتدلة وفرصة لزخات مطرية
+
أأ
-

لكل هذا الحزن جذور .. !

{title}
صوت جرش الإخباري

كان العام المنقضي عامًا ضاجًا بالعواطف المتعارضة، تناوبت فيه علينا مشاعر الأمل واليأس، والثبات والاستسلام – وإنما ليس الفرح. ومثل كل الأوقات شديدة الاضطراب التي يكون فيها ثقل التاريخ وضغوط الحاضر أثقل من قدرة الفرد على التحمل، يصبح الثبات على المبدأ في حد ذاته هو الانجاز.



كان عام حُزن في الحقيقة، بمعنى الحُزن الجمعي الذي تعنيه مشاهدة المذبحة في الجوار مباشرة على الشاشات، ثم اعتياد المذبحة، ثم تطبيع المذبحة، ثم تضييع البوصلة الأخلاقية أحيانًا من شدة الهول. أصبحت الأسئلة تدور عن الفارق بين البسالة والتهور، والجدوى والعبث، والحق المطلق والحق بمعنى القوة.



كان عامًا لازدهار الواقعية الانتقائية، واجتزاء الأشياء من سياقاتها، وتوجيه اللوم إلى غير محله، وبروز (أو إبراز) التفاصيل بحيث تصرف الانتباه عن الصورة الكبيرة. وكان عام عمل لأصحاب فكرة: «ألم أقل لكم» من خدم الإمبراطورية وكتبة السلاطين – عن معرفة، وإنما أحيانًا من غير معرفة. وكان الهدف النهائي لهؤلاء هو تسخيف فكرة المقاومة وتجميل الاستسلام. حتى نعيش في سلام ونستقر ونزدهر، يقول هؤلاء، ينبغي أن نقبل بالواقع كما هو لأنه لا قِبل لنا بتغييره. ولبرهنة الفرضية، أشار هؤلاء إلى الخسائر التي تجلبها محاولة التغيير –لا من منطلق شيء مثل «لم يحن الوقت بعد»، أو «ينبغي الإعداد أحسن»، وإنما من منطلق «لا فائدة». وليس بلهجة أسف، وإنما بلهجة انتصارية أحيانًا لا تخفي الشماتة.



لا جدوى إذن من المحاولة. انسَ العدالة وتعايش مع الظلم. انس محاولة مقاومة التيار الجارف. لا تركل بيديك ولا تحرك ساقيك واتركه يحملك إلى أي مستقر يشاؤه لك. لا تفكر لأن ثمة الذين يفكرون عنك ويختارون لك الخير. ولا تعارِض أي شيء لأن كل الأشياء أكبر منك وأقوى، وأكثر رسوخًا. اعترف بالهزيمة النهائية ولن تُمنى بالمزيد من الخسائر. لا تكُن مثل الذي يُعذبه الجلاوزة ليفضي بشيء، ويتحمل الألم والمزيد من الألم متشبثُا بالمبدأ، ثم يعترف في النهاية بما فعل وما لم يفعل –أو يموت تحت التعذيب. قل لهم ما يريدون، أعطهم ما يريدون، انظر ما يجنيه المعاندون. ألم أقل لك؟



بحكم دكتاتورية التاريخ، كانت فلسطين هي الحقل الأبرز لكل أنواع التجارب الإنسانية في هذا الإقليم، الذي يُختبر فيه الصواب والخطأ، والعدل والظلم، والجدوى والعبث، والممكن والمستحيل. ومرة أخرى، اختبرت فلسطين في العام الماضي الجميع في هذا الإقليم، أفرادًا وأقطارًا وكيانات. وكان من نتائج الاختبار، بطريقة غير مسبوقة تقريبًا، إظهار كم أصبح لوم الضحية شائعًا ومسوغًا وعلنيًا. الفلسطينيون –العنيدون منهم الرافضون للاستعمار وعشاق الحرية بشكل خاص- هم سبب الفوضى في الإقليم. هم سبب الموت والاستيلاء الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. وكل مَن يربط نفسه بقضيتهم سيكون هدفًا للدمار وانتحاريًا صريحًا. فلتذهب العدالة والتحرر والإنسانية ونصرة المظلوم وكل المبادئ الخيالية إلى حيث تريد، وإنما ليس إلينا!



لكنّ كل شيء يأتي إلى هذا الإقليم من بوابة فلسطين. إلى كل بلد في الإقليم. إلى كل بيت في الإقليم. ثمة من يقول من فلسطين أن ذراع المستعمِر الطويلة ستطالك في بيتك أينما كان من المحيط إلى الخليج إذا لم تقبل بما يختاره لك. وما اختاره لك هو أن تكون كائنًا مجردًا من الإنسانية، والطموح، والكرامة، والأخلاق البسيطة، وسلام التمتع بحماية المجموع. إنه يختار لك بيئة مقسمة تضج بالعداوات، وحروب الطوائف، والخوف من الشقيق.



ثمة في الحقيقة سبب أساسي للحزن الجمعي في إقليم العرب. وقد جلبته فلسطين –وإنما لم تجلبه فلسطين. قبل هذا العام الحزين المنقضي، كان ثمة أعوام حزن عربية جامعة لا يمكن إنكارها: عام النكبة، 1948؛ عام النكسة، 1967. عندما كنا صغارًا في النصف الثاني من القرن الماضي، كانت الدول العربية تعلن كل عام إلغاء الاحتفالات الرسمية في أعياد الفطر والأضحى واقتصارها على الطقوس الدينية. ثم تلاشى هذا الإدراك للعلاقة بين الفرح وفلسطين. ثم أصبح شرط الفرح تجاهل فلسطين. ولكن، مرة أخرى كان عام 2024 عام حزن بسبب فلسطين. ويمكن تعقب معظم أحزان البلدان العربية التي استُهدفت بالتدمير والإسقاط والإفشال إلى استعمار فلسطين. أعمى مَن لا يرى.



ثمة جذر لأحزان العرب، هو استعمار فلسطين. هو المستعمرون في فلسطين بما يمثلونه من امتداد لاستعمار إقليم العرب. لنا أن نتخيل كيف كانت منطقتنا لتكون من دونه. وعلينا أن نتأمل نسبة الأرواح والدماء والخسارات التي يُمكن بارتياح نسبتها إليه في الخبرة العربية التاريخية في كل بقعة من الوطن الكبير منذ 1948. هذه هي «مسؤولية» فلسطين عن أحزان العرب – أنها استُعمرت، وأنها السبب في إظهار عجزهم، وهوانهم، وهزيمتهم، وتواطئهم، واضطراب بوصلتهم الأخلاقية والبراغماتية والمنطقية، وتآمرهم على أنفسهم بتبرير استسلامهم والعبث غير البريء بالتعريفات.