في 26 كانون الثاني (يناير) 2025، أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زيارة رسمية إلى أفغانستان، كانت الأولى لمسؤول إيراني في هذا المنصب منذ 8 أعوام، أي قبل الانسحاب الأميركي من البلاد في آب (أغسطس) 2021.
كما كتبت فرناز فصيحي في صحيفة "نيويورك تايمز" حينها، "أرادت إيران الولايات المتحدة خارج أفغانستان. قد تأسف لأن أمنيتها تحققت". ونقلت فصيحي عن الديبلوماسي الإيراني السابق الذي قدم استشارات للحكومة الأفغانية محمد حسين عمادي قوله إن إيران "فهمت كيف أن عدو عدوك ليس صديقك، وأن طالبان هي مشكلة أكثر تعقيداً (من مشكلة) الأميركيين". لقد كانت تلك المشاكل جلية منذ فترة طويلة.
وهذه أبرزها
أولاً، إن آفاق التعايش السلمي بين ثيوقراطيّتين سنية وشيعية غير طاغية بطبيعة الحال. ثم هناك عبء الذاكرة. حين استولت قوات "طالبان" على مدينة مزار شريف سنة 1998، هاجم متمردون مسلحون القنصلية الإيرانية فقتلوا 10 ديبلوماسيين إيرانيين. نفت الحركة علاقتها بالهجوم، لكن إيران لم تصدق النفي.
ومثلت موجة اللجوء المحتملة عقب عودة "طالبان" إلى الحكم مشكلة أخرى للسلطات الإيرانية. وبشكل غير منفصل، تبرز قضية الأقلية الشيعية التي تعيش خصوصاً في ولاية هرات الغربية. وتُعرف هرات المدينة باسم "إيران الصغيرة". وتتهم إيران الحركة بعدم تأسيس حكومة تشمل الأقلية الشيعية. علاوة على ذلك، تخشى إيران من الفرع الأفغاني لتنظيم "داعش" المعروف باسم داعش خراسان. ترى إيران أن "طالبان" غير راغبة أو قادرة على تحجيمه. شن التنظيم هجوماً إرهابياً في كرمان شهر كانون الثاني 2024 راح ضحيته نحو 100 إيراني. ويوم الثلاثاء الماضي، شن التنظيم هجوماً آخر ضد مصرف في شمال أفغانستان مما أدى إلى مقتل 8 أشخاص على الأقل. وإذا كان كل ذلك غير كاف لإثارة المخاوف في طهران، فقضية تهريب المخدرات من أفغانستان إلى إيران قد تؤدي هذه الوظيفة، خصوصاً مع الارتفاع الكبير في نسبة الإدمان على المخدرات بين الإيرانيين خلال العقد الماضي. وليس الأمر أن قضايا الاحتكاك المحتملة تتوقف عند هذا الحد.
ثمة خلاف على الموارد المائية بين البلدين يعود إلى نحو 150 عاماً، حين رسم الاستعمار البريطاني الحدود بين البلدين عند الفرع الرئيسي من نهر هلمند، وقد فشلت اتفاقية بشأنه سنة 1973 في إزالة التوترات. وفي أيار (مايو) 2023، اندلعت اشتباكات حدودية بين البلدين أدت إلى مقتل ما لا يقل عن عنصرين إيرانيين من حرس الحدود ومقاتل من "طالبان". لكن الحكومتين احتوتا الموقف بشكل سريع.
انفتاحٌ صعب
كانت زيارة عراقجي إلى أفغانستان مناسبة لخفض التوترات. لكنها كانت أيضاً تذكيراً بحجم المشاكل. طالب عراقجي كابول بتطبيق اتفاقية هلمند كما باستعادة نحو 3.5 مليون لاجئ. لكن القائم بأعمال رئيس الوزراء حسن أخوند رد قائلاً إنه من غير العملي استقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين في فترة قصيرة. وذكّر أيضاً بأن عمليات الإعدام لأفغان في إيران تستفز مشاعر البلاد. لكن الزيارة لم تعنِ اعترافاً إيرانياً رسمياً بحكم "طالبان" على ما قاله السفير الإيراني في كابول علي رضا بيكدلي لوكالة "إيسنا" الإيرانية، إذ إن الاعتراف يقوم على القانون الدولي ويتمتع بمعياره الخاص، كما أوضح.
أتى ذلك ضمن رد على اعتراضات إيرانية كثيرة انتقدت الزيارة. كان ذلك شبيهاً بالاعتراضات التي انتشرت في إيران قبل أربعة أعوام، حين استضافت البلاد وفداً رفيع المستوى من قادة الحركة، الأمر الذي اضطر الناطق باسم وزارة الخارجية حينها سعيد خطيب زاده للدفاع عن فتح الأبواب أمام مسؤولي الحركة. في ذلك الوقت، لم تكن "طالبان" قد وصلت إلى الحكم، لكن الحوار الأميركي معها واستعجال بايدن الانسحاب من البلاد دفعا إيران إلى التحوط.
يوضح ذلك هشاشة أي انفتاح إيراني على حكم "طالبان". لكنه انفتاح ضروري على أي حال. خلال الحضور العسكري الأميركي في أفغانستان، استغلت إيران عدداً من الاتفاقات بين البلدين لإقامة مشاريع تفيد الأقلية الشيعية في البلاد، لكنها مدت أيضاً مقاتلي "طالبان" بالأسلحة مما منحها نفوذاً للضغط على الأميركيين في حال ضغطوا على برنامجها النووي.
نقطة عبور
بعد الانسحاب الأميركي، لم تصبح لائحة المصالح الإيرانية أقصر. تبني طهران خط سكك حديدية بطول 625 كيلومتراً من ميناء شاباهار إلى زاهدان الإيرانية على أمل تسريع نقل السلع على ممر الشمال-الجنوب، حيث يعدّ بلوغ هذا الميناء أسهل على أفغانستان بالمقارنة مع كاراتشي. يمنح ذلك إيران نفوذاً أكبر حيال "طالبان" التي تتوتر علاقاتها مع باكستان.
وترغب إيران باستخدام أفغانستان نقطة عبور لصادراتها النفطية نحو آسيا الوسطى. وعند الحديث عن صادرات إيران من الطاقة، تلوح في الأفق العقوبات الأميركية ومحاولة الالتفاف حولها. كتب طالب الدكتوراه في مبادرة التاريخ الإيراني ضمن كلية لندن للعلوم السياسية والاقتصادية جاك روش أن إيران قد تستغل ممراً برياً في أفغانستان نحو الصين لتفادي العقوبات الدولية.
وليس هذا التحليل جديداً. قبل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، استطاعت إيران بيع النفط إلى أفغانستان بطريقة "غير شرعية" حيث مثّل ذلك نصفَ التبادل التجاري بين البلدين.
كان توقيت زيارة عرقجي إلى أفغانستان لافتاً للنظر إذ أتى بعد نحو أسبوع من تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. سواء أكان التوقيت مقصوداً أم عرضياً – وثمة مؤشرات لاعتبار أن تحسن العلاقات بدأ منذ أواخر 2023 – لن تخسر طهران وكابول من توطيد العلاقة بينهما في المستقبل المنظور، بما أن ترامب مرتاب من كلتيهما. مع ذلك، سيعجز طيف الرئيس الأميركي عن ردم الهوة العميقة من الشكوك المتبادلة بين الطرفين.