أعلن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة استشهاد قائد هيئة أركان القسام محمد الضيف، وعدد من القادة البارزين، خلال معركة "طوفان الأقصى".
وقال في كلمة مصورة "نزف إلى أبناء شعبنا العظيم استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف مع ثلة من المجاهدين الكبار من أعضاء المجلس العسكري للقسام"، هم مروان عيسى نائب قائد أركان القسام، وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية غازي أبو طماعة، وقائد ركن القوى البشرية رائد ثابت، وقائد لواء خان يونس رافع سلامة.
وأضاف أبو عبيدة، في نعي القائد مروان عيسى: "كيف لمروان عيسى، عقل القسام وركنه المتين، أن يموت على الفراش؟ وكيف لأبي موسى، حكيم المجاهدين والقائد الفذ، ولرائد ثابت، الجبل الشامخ، ألا يقدِّما أرواحًا رخيصة لأجل الأقصى؟".
من هو مروان عيسى؟
تربع مروان عيسى رجل الظل واليد اليمنى لمحمد الضيف، ونائب القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وعضو المكتب السياسي والعسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على عرش قائمة الاغتيالات التي وضعتها (إسرائيل) على مدار عقود.
إذ كانت تقول (إسرائيل) إنه طالما ظلّ على قيد الحياة فإن ما تصفه بـ"حرب الأدمغة" بينها وبين حماس ستبقى متواصلة. ووصفته بأنه رجل "أفعال لا أقوال"، وتقول إنه ذكي جدا لدرجة "يمكنه تحويل البلاستيك إلى معدن".
المولد والنشأة
ولد مروان عبد الكريم عيسى -المكنى أبا البراء- عام 1965 في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، فنشأ حاملا على عاتقه حلم العودة إلى القرية التي هُجّر منها أهله في "بيت طيما" بمدينة المجدل إبان النكبة عام 1948.
انتمى عيسى إلى جماعة الإخوان المسلمين في شبابه، وأسهم في تنفيذ أنشطتها الدعوية والاجتماعية والتنظيمية، وتميّز بين أقرانه ببنيته القوية.
برز لاعبا مميزا في كرة السلة، وكان يلقب بـ"كوماندوز فلسطين"، وكانت له صولات وجولات في الملاعب ضمن فريق "نادي خدمات البريج".
مع ذلك لم تكتب له مسيرة رياضية، إذ اعتقله الاحتلال عام 1987 بتهمة الانضمام لحركة حماس، واعتقلته بعدها السلطة الفلسطينية عام 1997، ولم يخرج إلا بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
ولما أفرج عنه ترك الرياضة وشق طريقا مالت إليها نفسه تلبية لواجب الدفاع عن الأرض، فالتحق بكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وكان حينها في الـ19 من عمره.
وكان دخوله للحركة على يد إبراهيم المقادمة، الذي كان أبو البراء يتدارس عنده أسبوعيا في المسجد الكبير داخل المخيم، فلمح فيه فراسة ونباهة تميز بهما عن أقرانه.
التجربة العسكرية
شكلت تجربته في السجن بعد أن اعتقل في زنازين الاحتلال فكره القسامي، فانضم لها فور خروجه، ومنذ أن التحق بها وهو يتدرج في مناصبها حتى صار من الرؤوس التي تقف خلف قرار العمليات والمعارك بشكل مستقل، أو بالتشاور مع يحيى السنوار قائد الحركة في غزة آنذاك.
كان أبو البراء في الدفعة التي شاركت في سلسلة العمليات الاستشهادية عام 1996 انتقاما لاغتيال المهندس يحيى عياش، إلى جانب عدد من البارزين في الحركة أمثال الضيف وحسن سلامة وغيرهم، فاعتقل على إثرها 4 سنوات، قبل أن يفرج عنه بعد انتفاضة الأقصى عام 2000.
وبعد خروجه من سجون السلطة، كان لعيسى دور محوري في الانتقال بكتائب القسام من خلايا نصف عسكرية منظمة على أساس هيكلة عسكرية، إلى كتائب ووحدات وألوية طبقا لهرم عسكري واضح.
وبقي مجهولا حتى أعلن عنه رسميا ضمن "أسماء قادة الصف الأول من كتائب القسام" في البيان الذي نشرته في سبتمبر/أيلول 2005 قبل 10 أيام من الانسحاب الإسرائيلي من غزة.
وفي أثناء الانسحاب الإسرائيلي من غزة نشرت القسام نشرة خاصة باسم "فجر الانتصار" فيها مقابلات مع عدد من قادة القسام، عرف فيها عن مروان عيسى بأنه "مسؤول عمليات المستوطنات"، وتحدث عن طبيعة هذه العمليات التي زرع فكرتها صلاح شحادة القائد العام السابق للكتائب، وعلّق عيسى "قررنا نقل المعركة إلى منازل المستوطنين".
وشرح أبو البراء آلية عمل اقتحامات المستوطنات التي تأخذ من المقاومين "جهدا وتدريبات شاقة وإعدادا متواصلا"، إذ يبدؤونها بعمليات رصد ومراقبة قد تمتد أسابيع، ثم يتم إرسال كل ما تم جمعه للقيادة العامة التي تناقش التفاصيل وتشكل لجنة لدراسة إمكانية تنفيذ العملية من حيث "تحقيق أكبر قدر ممكن من النجاح وأقل قدر ممكن من الخسائر".
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن جهود أبي البراء كانت في اتجاهين في سنوات انتفاضة الأقصى، الأول في هيكلة كتائب القسام وتنظيم جيشها المتفرق بين ألوية وكتائب ومجموعات، والثاني بسد الفراغ بعد اغتيال المهندس عدنان الغول عام 2004، للخروج بمشروع للتصنيع المحلي بما يخدم المقاومة برا وبحرا وجوا.
ولدوره البارز في الحركة خاصة بعد الانتفاضة الثانية، صار ملاحقا من إسرائيل التي أدرجت اسمه ضمن أبرز المطلوبين للاغتيال، وحاولت اغتياله في اجتماع هيئة الأركان عام 2006 مع الضيف وقادة الصف الأول في كتائب القسام، لكنه خرج منها مصابا ولم يتحقق هدف الاحتلال في تصفيته.
كما دمرت مقاتلات حربية إسرائيلية منزله مرتين أثناء العدوان على غزة عامي 2014 و2021، وهو العدوان الذي استشهد فيه أخوه وائل.
أثناء الحصار على قطاع غزة عام 2009 عانى ابنه براء ذو الـ9 سنوات حينها من فشل كلوي، ورغم ذلك منع من السفر للعلاج خارج غزة، وتوفي على إثرها وأصبح الشهيد رقم 359 جراء الحصار المفروض على القطاع منذ 2007.
لم يكن وجهه معروفا قبل عام 2011، إذ ظهر في صورة جماعية التقطت أثناء استقبال الأسرى المفرج عنهم في صفقة "وفاء الأحرار" مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وكان فيها خالد مشعل وصالح العاروري وأحمد الجعبري، وزعمت إسرائيل أن الشخص الموجود إلى جانبهم في منتصف الصورة هو مروان عيسى.
"مسؤول عمليات المستوطنات" أبو البراء ظهرت تكتيكاته وجهوده في التخطيط للاقتحامات في معارك غزة التي خاضتها بداية من "حجارة السجيل" عام 2012 إلى "طوفان الأقصى" عام 2023، إذ ظهرت فيها قوة القوات البرية والاستخباراتية والتقنية ومدى التخطيط المنظم والمحكم، والاهتمام الخاص باقتحام المستوطنات والمقرات الأمنية.
وفي معركة "طوفان الأقصى" ظهرت إستراتيجياته ومنهجيته في توجيه القوات الخاصة و"الكوماندوز" برا وبحرا، إذ اخترقت السياج الحدودي واقتحمت المستوطنات في غلاف غزة بعمق وصل 40 كيلومترا.
وأسهم بتطوير أسلحة الحركة ووجه الجهود فيها حتى تطورت بشكل هائل، فزاد مدى وصول الصواريخ وقدرتها التدميرية، ونقل الكتائب في مناسبات كثيرة من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم.
ولاهتمامه بتطوير الجانب العسكري عتادا وأفرادا، امتلكت الحركة طائرات مسيرة وشكلت قوات نخبة وحفرت أنفاقا هجومية، كما شكلت وحدة كوماندوز بحري نفذت عدة هجمات على الساحل في عسقلان وكبدت إسرائيل خسائر جمة.