تقدّر خسائر العراق من حرق الغاز المصاحب للنفط بـ 10 إلى 12 مليار دولار سنوياً، بينما يكلّف استيراده من إيران قرابة 6 مليارات، لذا تسعى حكومة محمد شياع السوداني إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول عام 2028، لتشغيل محطات الكهرباء ووقف الاستيراد.
وفي ضوء قرار الإدارة الأميركية الجديدة وقف العمل بالاستثناء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز من طهران، يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد فتح الباب أمام صيف قاس على العراقيين الذين يواصلون الصمود في وجه مشكلة الكهرباء لأكثر من ثلاثة عقود.
ولتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، اتفق العراق مع عدد من حكومات دول الخليج وتركيا والأردن على مشاريع ربط كهربائي. ومع إنجاز تلك المشاريع التي لم يتمّ الشروع في أيٍّ منها حتى الآن، يخفض العراق كمية الطاقة التي تنتجها محطات التوليد التي تعتمد على الغاز الإيراني، والتي تقدّر بقرابة 6100 ميغاواط.
ويقول غابريال صوما، عضو الفريق الاستشاري للرئيس ترامب، إنّ الولايات المتحدة اتخذت "موقفاً حادّاً" من عملية توريد الكهرباء والغاز الإيراني إلى العراق.
ويضيف صوما، في حديث لـ"النهار"، أنّ قرار الرئيس الأميركي في 5 شباط/فبراير الجاري يمثّل تحوّلاً كبيراً في السياسة الأميركية تجاه البلدين المتجاورين، مشيراً إلى أنّه يهدف إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على طهران لتقليل قدرتها على التحرّر من العقوبات الغربية.
وفي السياق، يكشف عضو لجنة الكهرباء والطاقة النيابية في البرلمان العراقي داخل راضي الحميدي، لـ"النهار"، عن عقد الحكومة العراقية عدداً من اللقاءات والاجتماعات مع أطراف إيرانية ومسؤولين في السفارة الأميركية، لبحث ملفّ الطاقة.
ويقول الحميدي إن الوضع الراهن في العراق "صعب جدّاً"، لأنّ معظم المحطات تعتمد على الغاز الإيراني، مشيراً إلى أنّ البدائل المطروحة تحتاج مستلزمات ووقتاً. على سبيل المثال، تحتاج وزارة النفط إلى منصّة عائمة في حال تعاقدها مع دولة خليجية لاستيراد الغاز.
ويضيف أنّ وقف استيراد الغاز الإيراني "شلّ نصف قدرة العراق على إنتاج الطاقة الكهربائية"، معرباً عن اعتقاده أنّ الحكومة ستجد "تسوية معينة" لحلّ الأزمة بالتوافق مع واشنطن.
ويعتبر النائب أنّ القرار الأميركي هو مجرّد وسيلة ضغط لإخضاع إيران لطاولة تفاوض مشروطة.
ويرى المراقب للشأن الاقتصادي أحمد عبد ربه، أنّ القرار الأميركي وضع العراق في مأزق حقيقي، لأنّ الخيارات المتاحة أمام بغداد كالغاز القطري أو التركمانستاني تستلزم إيجاد بنية تحتية مناسبة.
ويوضح عبد ربه، لـ"النهار"، أنّ الغاز الإيراني كان يغذّي محطات بسماية والمنصورية والقدس والصدر، وبالتالي فإنّ وقفه يُفقد العراق حوالى 4 آلاف ميغاواط، لافتاً إلى أنّ صيف 2025 سيختبر صبر العراقيين مع الكهرباء الوطنية.
وكان العراق وقّع في آذار (مارس) 2024، عقداً مع إيران لاستيراد 50 مليون متر مكعّب من الغاز يوميّاً لمدّة خمس سنوات.
ويبلغ إنتاج العراق من الكهرباء حوالى 24 ألف ميغاواط، بينما تصل الحاجة الفعلية إلى أكثر من 32 ألف ميغاواط، وفي أوقات الذروة أيام الصيف تتجاوز الـ40 ألفاً.
ووفقاً لعبد ربه، فإنّ استثمار الغاز المصاحب للنفط بالكامل يغطّي حاجة العراق، ويوفّر سنويّاً قرابة 5 مليارات دولار
وتعود جذور الأزمة إلى عام 2008، عندما أبرمت حكومة نوري المالكي عقوداً مع شركتي "جنرال إلكتريك" الأميركية و"سيمنز" الألمانية لتطوير قطاع الكهرباء، حيث جرى استخدام توربينات تعمل بالغاز بدل الوقود، ما دفع الحكومة إلى استيراد الغاز من إيران.