يوم الأربعاء، وتزامناً مع زيارة كبير الديبلوماسيين الإماراتيين أنور قرقاش إلى طهران لنقل رسالة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ولقائه وزير الخارجية عباس عراقجي، تحدث خامنئي في كلمة أمام حشد من الطلاب عن أسباب معارضته إجراء حوار مع الإدارة الأميركية الحالية.
وقال خامنئي إنه لم يتلقَّ حتى حينه رسالة ترامب، لكنه تطرق إلى ست عقبات رئيسية تحول دون إجراء محادثات وإبرام اتفاق محتمل مع أميركا. وبالأحرى، يمكن القول في ظل استنتاج مختلف، إن زعيم الجمهورية الإسلامية، الذي يتخذ القرار الرئيسي في مجال السياسة الخارجية، يرى أنه إن تم تذليل هذه العقبات الست، فإن ثمة إمكانية للدخول في مفاوضات بناءة مع الولايات المتحدة.
والحقيقة، أن حساسية هذا الموضوع، أي المحادثات مع أميركا، بالغة إلى درجة يفضّل فيها خامنئي أن يعلن توجهات إيران بشأنها من على المنابر العامة وبصراحة وشفافية، بدلاً من وزارة الخارجية والديبلوماسيين، وأن يضطلع هو في هذه القضية بدور الديبلوماسي الإيراني الرفيع، لكي تُطرح السياسات التي يصبو إليها، مباشرة وبصراحة ومن دون وسيط ليتم تقييمها من الجانب الأميركي.
وساد انطباع في المشهد الإعلامي والسياسي في إيران خلال الأسابيع الأخيرة بشأن المواقف العديدة للمرشد الأعلى بأن باب المحادثات مع أميركا قد أُغلق بالكامل، وأن احتمالات اندلاع الحرب والمواجهة العسكرية تتزايد، حتى إن ترامب قال من جانبه إن على إيران أن تختار بين المحادثات والمواجهة العسكرية. لكن وعلى النقيض من التفسيرات والتحليلات الجارية في داخل إيران وخارجها بشأن مواقف خامنئي ومعارضته أي محادثات مع واشنطن، فإن المحتوى الدقيق لخطابه وأسلوب إدارته خلال السنوات الأخيرة، يظهران أن الزعيم الإيراني لا يعارض إجراء محادثات مع الولايات المتحدة بالمطلق، إذ أنه سمح للمسؤولين ذوي الصلة، العام الماضي، بإجراء محادثات.
إذاً، لخامنئي ستة شروط، إن أخذتها أميركا في الاعتبار، من الممكن بدء المحادثات. وتأسيساً على تصريحات المرشد الإيراني وقراراته، لا سيما في كلمته الأخيرة، ستدخل إيران المحادثات إن:
أولاً، أسفرت عن رفع العقوبات والضغوط الاقتصادية.
ثانياً، ألا تؤدي إلى تزايد الضغوط وطرح مطالب جديدة من واشنطن، لا سيما في المجال العسكري.
ثالثاً، أن تقدم واشنطن ضمانات وتطمينات في ما يخص التقيد بنتائج الاتفاق المحتمل.
رابعاً، أن يتم التخلي عن خيار الحرب مع إيران.
خامساً، أن يتم الاعتراف رسمياً بالحقوق النووية لإيران.
وسادساً، أن تبادر إدارة ترامب إلى إعادة بناء الثقة التي فُقدت في دورته الرئاسية السابقة، لدى إيران.
وقال خامنئي بصراحة إن إيران ليست من دعاة الحرب، لكن إن اتُخذ إجراء ضدها فستردّ بالمثل.
والنقطة المهمة الأخرى هي أنه على عكس ما يتخيل البعض، فإن موقف الزعيم الإيراني من المحادثات مع أميركا في الظروف الراهنة واقعي بالكامل وخالٍ من الدلالات الإيديولوجية والعاطفية البحتة، وما تم طرحه كعقبات تعترض إجراء المحادثات مع الولايات المتحدة مثّل في الحقيقة شروط إيران للدخول في المفاوضات، والتي طُرحت علانية من الجهة الرئيسية لصنع القرار في إيران.
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنه إلى أن تتضح المطالب التي أثارها ترامب في رسالته الموجهة إلى المرشد الأعلى، فإن إيران تكون قد أجابت مسبقاً على رسالة ترامب هذه من خلال طرح شروطها، وأعلنت أنه إن أُخذت هذه الشروط الستة في الاعتبار فإنها ستكون قادرة على الدخول في مفاوضات مع واشنطن. وعليه، لا يمكن اعتبار أن ملف المحادثات مع الولايات المتحدة قد أُغلق نهائياً في الحقبة الحالية، بل المرجح أن المحادثات تجري على أعلى المستويات.