منذ بدء التوغل البري في محور "نتساريم"، الذي فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه خلال حرب الإبادة الجماعية، راهن الاحتلال على ترسيخ وجوده هناك كإنجاز استراتيجي لا يمكن المساس به، إلا أن المقاومة الفلسطينية قلبت المعادلة، محولة المحور إلى ساحة استنزاف مستمرة عبر كمائن محكمة، وعمليات قنص دقيقة، وقصف مكثف بالهاون، مما جعله يُعرف باسم "محور الموت"، ومع تزايد الخسائر وتعاظم الضغوط، اضطر الاحتلال إلى الانسحاب من المنطقة، في خطوة تعكس فشل وعود نتنياهو بالنصر المطلق، وتُسجل انتصارًا جديدًا للمقاومة في معركة الصمود والمواجهة.
تفكيك الوجود "الإسرائيلي"
مختصون في الشأن "الإسرائيلي" أكدوا لـ"شهاب"، أن الانسحاب من محور "نتساريم" يُعد خطوة بالغة الأهمية في تفكيك الوجود العسكري "الإسرائيلي" في قطاع غزة، مشيرين إلى أن ما جرى هو انهيار حقيقي لإنجازات الاحتلال.
المختص في الشأن "الإسرائيلي"، عزام أبو العدس، أوضح أن هذا الانسحاب يشكل ضربة كبيرة لمخططات الاحتلال، مضيفًا أن المقاومة نجحت في هدم ما بناه الجيش "الإسرائيلي" في محور "نتساريم".
وأشار في حديث خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، إلى أن هذا الانسحاب يُضاف إلى سلسلة المكاسب التي حققتها المقاومة عبر المفاوضات، والتي استهدفت حل الإشكاليات الأساسية المرتبطة بتواجد الاحتلال في القطاع.
وأضاف أبو العدس أن المقاومة كانت تواجه ثلاث إشكاليات رئيسية: الأولى تتعلق بعودة النازحين، والثانية بمحور "نتساريم"، والثالثة بإدخال المواد التموينية وكسر الحصار.
وتابع قائلًا: "ما حدث في غزة هو تفكيك لإنجازات الاحتلال، التي استنزف فيها جيشه الوقت والدماء والموارد لتحقيقها".
وبيّن أن هناك بُعدين رئيسيين في قضية محور "نتساريم": الأول رمزي، حيث شكلت المنطقة نقطة ارتكاز في تصريحات القادة العسكريين والمستوى السياسي في "إسرائيل"، إذ أعلن نتنياهو صراحة أنه لن يكون هناك انسحاب من المحور، لكن ما حدث شكل تراجعًا واضحًا عن تلك الوعود.
أما البعد الثاني، فهو أن انسحاب الاحتلال من المحور أتاح للمقاومة فرصة لإعادة دراسة المنطقة، وتحليل تكتيكات الجيش "الإسرائيلي"، والاستفادة من الدروس الميدانية لتعزيز قدراتها في أي مواجهة مستقبلية.
وأشار أبو العدس إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يزال صامدًا، رغم تصريح أبو عبيدة الأخير بتعليق الإفراج عن الأسرى، لكنه حذر من أن تجدد القتال والعمليات العسكرية يبقى احتمالًا واردًا في أي لحظة.
وأضاف أن المقاومة استوعبت تمامًا، خلال انسحاب الاحتلال من "نتساريم"، كيفية توغله، وأساليبه العملياتية، ونقاط قوته، وما قد يكون قد زرعه من وسائل لتعزيز وجوده في المنطقة، مؤكدًا أن المقاومة بدأت بدراسة كل هذه النقاط استعدادًا لأي سيناريو مستقبلي.
الصمود يُفشل النصر المطلق
من جهته، أكد الخبير في الشأن "الإسرائيلي"، الدكتور عمر جعارة، أن الاحتلال استولى على محور "نتساريم" ضمن مخططاته الرامية لفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، لكنه فشل في تحقيق أهدافه.
وأوضح جعارة، في حديث خاص لوكالة "شهاب" للأنباء، أن ثبات الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة على مدار 15 شهرًا أحبط مخططات الاحتلال، مشددًا على أن المقاومة أجبرت الاحتلال على تفكيك المحور بعد سلسلة عمليات متواصلة.
وأشار إلى أن المقاومة أطلقت على "نتساريم" اسم "محور الموت"، نتيجة الكمائن المميتة التي نفذتها ضد جنود الاحتلال، مؤكدًا أن الضغط العسكري والتفاوضي دفع الاحتلال في النهاية للانسحاب.
وأضاف جعارة أن صمود الشعب الفلسطيني أفشل تمامًا رواية "النصر المطلق"، التي كان يتفاخر بها نتنياهو، معتبرًا أن الانسحاب من "نتساريم" يمثل هزيمة واضحة لا يمكن إنكارها.
وفي 27 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ الفلسطينيون بالعودة إلى شمال القطاع سيرًا على الأقدام عبر الطريق الساحلي، وبالمركبات عبر طريق صلاح الدين، في ظل إجراءات تفتيش تقودها ثلاث شركات أمنية أميركية ومصرية وقطرية، وفق تقارير إعلامية عبرية.
يُذكر أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال بدأ سريانه في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بوساطة قطرية ومصرية وأميركية، وهو اتفاق يتكون من ثلاث مراحل، مدة كل منها 42 يومًا، بهدف التفاوض على تنفيذ باقي المراحل، وصولًا إلى إنهاء حرب الإبادة.