تستأثر مدينة نابلس شمال الضفة الغربية بالعديد من العادات الرمضانية الجميلة التي تحمل العديد من المعاني الدينية والاجتماعية وتزيد الشهر الفضيل جمالا ومكانة ومن بين تلك العادات "فقدة رمضان" التي تقوم على صلة الرجال لأرحامهم وتقديم الهدايا العينية أو المادية لهم.
وتكافح هذه العادة الرمضانية وتصارع من أجل البقاء في ظل التغيرات الاجتماعية، التي طرأت على الواقع الفلسطيني، ونتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي جعلت من الوفاء باحتياجات هذه العادة صعبة لدى كثير من الرجال.
ويقول الحاج سعيد بريك والذي بلغ من العمر 74 عاما، لـ"قدس برس" اليوم الثلاثاء، إنّ "الظروف الاقتصادية بالعادة ما تتدخل بشكل قوي في طبيعة (فقدة رمضان) ووجودها".
وتابع "في بعض الأعوام التي شهدت ضيق في الحال وصعوبة للظروف الاقتصادية كان الرجل أمام خيارين إما أن لا يزور أرحامه ويتفقدهم أو زيارتهن وتقديم هدية رمزية فقط لهن".
وشدّد على أن "ثقافة المرأة وطبيعة تركيبة العائلة التي تنتمي لها ومدى تفهمها للظروف عامل مهم أيضا في الحفاظ على هذا العادة او اندثارها".
بدورها تقول الفتاة العشرينية سعادة الخليلي، إن "(فقدة رمضان) لا تقتصر أهميتها فقط على البعد المالي والمادي، بل أيضا لها عمق ديني واجتماعي ينعكس على الجميع وخصوصا إذا كانت الفتاة متزوجة من عائلة غير عائلتها".
وتشعر الخليلي بـ"الفخر للانتساب للمجتمع النابلسي الذي يولي اهتماما بمثل هذه العادات التي من شأنها تعميق العلاقات الاجتماعية ومنح المرأة مزيدا من الاهتمام".
ولا تنفي الخليلي بأن "لهذه العادة دور في إعانة أسرة المرأة ماليا واقتصاديا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني".
وتابعت "بعض الفتيات تعتمد بشكل كبير على ما يقدم لها من هدايا خلال هذه العادة سواء فيما يتعلق بالتحضر للعيد وأجوائه أو حتى الوفاء ببعض الالتزامات البيتية".
وتتحدث الحاجة أم خليل طبيلة، بأن "عادة (الفقدة) موجودة منذ عشرات السنوات وكانت تتمثل فيما مضى بقيام الرجال وتحديدا الجد والأب والابن بزيارة أرحامهم وتقديم هدية للنساء سواء أكانت بناتهم أو عماتهم أو خالاتهم، وكانت الهدية تتكون من بعض الحلويات أو الفواكه والسكاكر علاوة على الكنافة النابلسية وكذا البقلاوة".
واليوم تقول طبيلة اختلفت طريقة وماهية "الفقدة" حيث "استبدلت على الأغلب بمبلغ مالي والهدايا العينية المنزلية أو الشخصية".
وشددت طبيلة، على أن "(الفقدة) هي مناسبة للتفاخر الاجتماعي للمرأة ولا سيما أمام أهل زوجها الذين يلمسون مدى حب أهلها وعلاقتهم المتينة بها".
وأشار الكاتب والباحث التاريخي ممدوح بري، إلى أنّ "(فقدة رمضان) عادة مرتبطة بالعرب منذ فتح فلسطين وهي جزء من صلة الرحم والارتباط من مفهوم ديني وهذا السلوك لم يقتصر على المسلمين في وقتها، بل أيضا وجدت عند النصارى والمكونات الدينية الأخرى في الشرق، ولكن ليس بالطريقة والهيئة واللون الموجود عند المسلمين".
وأضاف أنّ "(الفقدة) جزء من التكافل الأسري والاجتماعي، أقلها زيارة واحدة وقد تصل إلى أكثر من ذلك بناء على الظروف الاقتصادية التي يعيشها الرجل الذي سيضطر إلى تدبر أمره لحمل هدية إالى أرحامه أو تقديم مبلغ مالي".
وأكّد أنّ "بعض الأرحام تتمتع بخصوصية أكثر من غيرها ولا سميا إذا ما كانت المرأة، أو الفتاة عروس جديدة، أو أرملة، أو مطلقة، أو فقيرة بحاجة إلى مساعدة أكثر من غيرها، حيث يتعمد أغلب الرجال من أقاربها وأرحامها لزيارتها وتفقدها".
ويرى الشيخ والداعية جعفر هاشم، "أحد الوجوه الاجتماعية في البلدة القديمة وبالمدينة"، بأنّ "(فقدة رمضان) عادة جميلة تلتقي مع تعاليم الدين الإسلامي المتمثلة بصلة الرحم والشعور بالآخرين والتعاون والتكافل".
ويشدد هاشم على أنّ "نابلس لها من الأجواء الرمضانية ما يزيد من هذا الشهر جمالا وروحانية ومنها (فقدة رمضان) التي توثق العلاقات الاجتماعية وتحث على زيارة الأرحام التي هي جزء من التعاليم الإسلامية".