أجرت مجلة الإيكونوميست البريطانية حواراً مطولاً مع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، متناولة موضوعات عدة تحت عنوان: "أمير حرب أم جهادي أم باني أمة".
وأشارت المجلة في المقابلة الأولى معه، أن الشرع طرح رؤيته لإعادة بناء الدولة السورية المحطمة والممزقة والمفلسة، بعد مرور 48 ساعة على توليه منصبه، واضعاً جدولاً زمنياً لأخذ سوريا في اتجاه الديمقراطية، ومؤكداً إجراء انتخابات رئاسية.
الغرب والجولاني
وتطرقت المجلة إلى علاقة الغرب مع من كان يعرف حينها بـ"أبو محمد الجولاني" الآتي من فكر القاعدة، ليبني عليه الغرباء الآمال في أن يكون صعوده بمثابة تحول استراتيجي لسوريا من براثن إيران وروسيا إلى الساحة الغربية: "في الواقع، تحدث ترامب بقسوة عن الوجود العسكري الأميركي غير القانوني في سوريا، ورحب بالمفاوضات مع روسيا حول قواعدها العسكرية، وحذر إسرائيل من أن تقدمها في سوريا منذ سقوط نظام الأسد سوف يسبب الكثير من المتاعب في المستقبل"...
التعددية
وقالت إنه تحدث بحماسة عن التعددية في مقابلاته، وكان محاطاً بمجموعة صغيرة من المستشارين، معظمهم من إمارته في إدلب، وكان بقية القصر الجمهوري الشاسع، الذي يفوق حجمه حجم البيت الأبيض فارغاً.
علقت المجلة: "يملك الشرع قدرة على إرضاء جميع الأطراف وإظهار نفسه متوافقاً مع الجمهور الذي يستمع له، فعندما أعلن رئاسته قبل ليلتين، كان يرتدي زياً عسكرياً أثناء وقوفه أمام قادة الفصائل، وفي الليلة التالية، خاطب السوريين بصفة مدنية مرتدياً بدلة سوداء وربطة عنق خضراء، أما في مقابلته مع الإيكونوميست، فاختار مظهراً عصرياً، مرتدياً سترة كريمية اللون فوق قميص أسود مغلق حتى العنق وسروالاً ضيقاً، وكأنه في طريقه إلى سهرة ليلية في المدينة.
يبدو أنه مهتم جداً بصورته، حيث ذكر ملابسه ثلاث مرات، ربما لأنه يدرك أن المراقبين سيقرأون الكثير في مظهره".
وأشارت المجلة إلى أنه تحدث بنبرة هادئة "لكنها كانت موجهة لكل جمهور على حدة، ومع ذلك، فإن التغييرات المستمرة تجعل من الصعب الحكم على شخص كان العقل المدبر لـ"داعش" وقاد القاعدة في سوريا".
وخلال المقابلة أكد أن "استعادة السلطة المركزية على الدولة السورية الممزقة في صدارة أولوياته، بموافقة جميع الفصائل السورية للانضمام الى جيش سوري جديد باستثناء الأكراد."، مؤكداً أن
"جميع الميليشيات، بما في ذلك الميليشيا الخاصة به السابقة هيئة تحرير الشام، قد تم حلها"، وأن "أي شخص يحتفظ بسلاح خارج سيطرة الدولة سيكون عرضة "لإجراءات غير محددة"، كما استبعد أي نظام فيدرالي لمعالجة المعارضة الكردية، لكن صورة الرجل القوي التي يسعى إلى رسمها تتناقض مع غياب طاقم القصر، حيث لم يكن هناك أحد يقدم القهوة، وكان هناك شخص واحد فقط حديث العهد بالبلاد يتولى مهام الاتصال، وجلس الى جانبه وزير خارجيته أسعد الشيباني الذي تولى إدارة اللقاء، وفق المجلة.
الأكراد
وفي ظل عدم موافقة الأكراد الذين يسيطرون على حقول النفط الرئيسية والأراضي الزراعية وسد الفرات الذي يوفر الكهرباء للبلاد، قال الشرع: "لست متفائلًا كثيراً لجهة العلاقة معهم".
الجهاديون
وينفي الشرع تقارير عن عودة ظهور تنظيم الدولة، لكنه يعترف بأن قواته "أحبطت العديد من الهجمات" منذ توليه السلطة. وتشير المعلومات إلى أن خلايا التنظيم تعود إلى دمشق ومدن أخرى، مستفيدة من تصاعد الاستياء الشعبي.
الديمقراطية
خلال المقابلة، استخدم الشرع كلمة "الديمقراطية" علناً لأول مرة منذ توليه السلطة، وقال، ببعض التردد: "إذا كانت الديمقراطية تعني أن الشعب هو من يقرر من سيحكمه ومن يمثله في البرلمان، إذن نعم، سوريا تسير في هذا الاتجاه"، وأصر على أنه سيستبدل حكومته المكونة من الموالين له من إدلب، ووعد باستبدالهم خلال شهر بـ"حكومة أوسع وأكثر تنوعاً بمشاركة من جميع فئات المجتمع".
وقال إن الوزراء وأعضاء البرلمان المعين حديثاً سيتم اختيارهم بناءً على "الكفاءة، وليس العرق أو الدين"، ما يفتح احتمال تعيينه لأول مرة بعض غير السنة، كما وعد بإجراء انتخابات "حرة ونزيهة" وإكمال صياغة دستور بالتعاون مع الأمم المتحدة بعد "ثلاث إلى أربع سنوات على الأقل"، ووعد بأجراء انتخابات رئاسية لأول مرة.
غرفة للصلاة
ولفتت الصحيفة الى أن الشرع حول غرفة جانبية في القصر الرئاسي إلى قاعة صلاة وأزال منفضات السجائر من طاولات القهوة، تماشيًا مع توجهه الإسلامي .
ولدى سؤاله عن مسألة الشريعة الإسلامية ، فإنه أحالها إلى إحدى الهيئات التي عينها، وقال إنه إذا وافقت الحكومة الانتقالية على الشريعة، فإن "دوري هو تطبيقها؛ وإذا لم توافق عليها، فإن دوري أيضاً هو تطبيقها".
حقوق المرأة
كما تجنب الالتزام بموقف واضح بشأن حقوق المرأة وإمكانية وصولها إلى السلطة، وعندما سُئل عن ذلك، أجاب فقط بأن هناك "سوق عمل واسعة" للنساء.
الاقتصاد
ورأت المجلة أن أكبر تحدٍّ يواجهه الشرع هو الاقتصاد، فتزويد الكهرباء لا يتجاوز ساعة واحدة في اليوم، وحجم إعادة الإعمار هائل ولا يمكن تصوره، والبلاد تعاني من أزمة سيولة ضخمة ناتجة، وفقاً للمصرفيين، عن تأخير في شحنات العملة من روسيا .
العقوبات
وصف الشرع قطر والسعودية بأنهما مستثمران محتملان في "مشاريع ضخمة"، لكنه أيضاً بحاجة إلى الولايات المتحدة، حيث قال إن عقوباتها تشكل "أكبر تهديد" لخططه، مضيفاً: "الشعب السوري عانى بما فيه الكفاية"، كما أشاد بـدونالد ترامب لكونه "يسعى لتحقيق السلام في المنطقة"، وتحدث عن استعادة العلاقات الديبلوماسية "في الأيام المقبلة"، كما حاول تحسين مكانة سوريا الإقليمية من خلال التعهد بوقف تصدير الكبتاغون، وهو المخدر الذي كان يُنتج بكميات ضخمة في سوريا في عهد الأسد، والسيطرة على المقاتلين الأجانب داخل البلاد.
تركيا
كما قال إنه "تعهد" لتركيا بعدم جعل سوريا قاعدة لحزب العمال الكردستاني، الحزب الذي يدعم الإدارة الكردية في الشمال الشرقي، لكن الشرع يحمل عبء تصنيفه وتصنيف حركته كإرهابيين ويعترض قائلًا: "موقعي هو رئيس سوريا، وليس قائد هيئة تحرير الشام"، لكن الكثيرين في المنطقة مستاؤون من تعيينه كوادر من هيئة تحرير الشام في مناصب عليا، وكذلك من إسناد مناصب عسكرية لمقاتلين جهاديين أجانب، وهناك مؤشرات على أن هذا الاستياء قد يؤثر على محاولاته للتقرب من الغرب، وقد قارن بين استعداد روسيا للتفاوض بشأن قواعدها العسكرية، مقابل تردد الولايات المتحدة، ووصف الوجود العسكري الأميركي في سوريا بأنه "غير قانوني".
إسرائيل
كما قال إن إسرائيل "بحاجة إلى التراجع" عن الأراضي التي احتلتها خارج خطوط الهدنة لعام 1974 بعد سقوط الأسد، ووصف تهجير الفلسطينيين بأنه "جريمة كبيرة"، وعندما سُئل عما إذا كان مستعداً لأن يحذو حذو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أجاب: "في الواقع، نحن نريد السلام مع جميع الأطراف"، لكنه أشار إلى أنه طالما أن إسرائيل تحتل الجولان، الهضبة التي احتلتها عام 1967، فإن أي اتفاق سيكون سابقاً لأوانه، مؤكداً أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستتطلب "رأياً عاماً واسعاً".
وختمت المجلة: "في الوقت الحالي، تعيش سوريا تحت حكم الشرع أهدأ فترة منذ اندلاع الربيع العربي عام 2011، والبلاد تتنفس بحرية أكبر بعد نصف قرن من الحكم الشمولي، لكن لا يزال هناك طريق طويل أمام الرئيس الجديد لإثبات أنه زعيم يمثل الجميع، وأن ماضيه الجهادي أصبح وراءه، وأنه يمثل الأمل الأفضل لسوريا في بداية جديدة".