في خطوة تصعيدية جديدة تنذر بتأجيج حرب تجارية، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس أمرا تنفيذيا يخول للولايات المتحدة فرض رسوم جمركية متبادلة على شركائها ومنافسيها التجاريين.
وبدأ ترامب بإعلان نيته فرض هذه الرسوم في أثناء استقباله الصحافيين في المكتب البيضوي، موضحا أن حلفاء الولايات المتحدة التجاريين “أسوأ من أعدائنا” في بعض الأحيان، مشيرا إلى أن ارتفاع الأسعار قد يحدث بصورة مؤقتة داخل البلاد. لكنه عبر عن ثقته في أن معدل التضخم -الذي كان محورا في حملته الانتخابية الأخيرة- سيعود للانخفاض لاحقا.
توضيحات حول الرسوم
وأكد الرئيس الأمريكي أن التعريفات الجمركية لن تفرض بشكل موحد على جميع الدول، بل ستحدد نسبتها وفقا لظروف وأسواق كل بلد، مع مراعاة عناصر مثل ضريبة القيمة المضافة والحواجز غير الجمركية.
وخص ترامب بالذكر الاتحاد الأوروبي، واصفا علاقاته التجارية مع واشنطن بأنها “عنيفة جدا”، في حين برر مستشاره التجاري بيتر نافارو القرار بالقول إن الدول المصدرة الكبرى تهاجم الأسواق الأمريكية “برسوم عقابية”.
وتتجه إدارة ترامب، وفق مسؤول في البيت الأبيض رفض الكشف عن اسمه، إلى تقييم “أكثر المشاكل فظاعة” المرتبطة بعجز الميزان التجاري أو الاختلالات الصارخة مع عدد من الشركاء. ومن المنتظر أن تنجز هذه التقييمات “خلال أسابيع أو بضعة أشهر لا أكثر”، تمهيدا لاتخاذ قرارات عملية حول الرسوم المستقبلية.
ومنذ توليه مهام الرئاسة قبل ثلاثة أسابيع، بدأ ترامب يفرض مجموعة واسعة من الرسوم الجمركية على بعض من أكبر شركاء الولايات المتحدة مثل الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، مستندا إلى قناعة بأن هذه السياسة ستعالج الممارسات “غير العادلة” وتعزز الإيرادات الحكومية.
وكان قد سبق أن أصدر قرارات تقضي بفرض رسوم بنسبة 10% على واردات سلعية صينية و25% على واردات الألومنيوم والصلب.
ويستند ترامب فيما يفعل إلى نهج “العين بالعين”، ما وصفه بأنه “منطق بسيط: إذا جعلونا ندفع، فسنجعلهم يدفعون أيضا”. ويرى الرئيس الجمهوري أن في ذلك وفاء بوعود انتخابية طالما كرر فيها ضرورة جعل الولايات المتحدة “ثرية مجددا”.
ردود الفعل
يخشى خبراء الاقتصاد التأثيرات التضخمية لهذه السياسات على المستهلك الأمريكي. فمجرد إعلان النية بفرض المزيد من الرسوم كفيل برفع أسعار الواردات، ليتحمل المواطن الأمريكي في النهاية عبء تلك الزيادات.
وتتزايد المخاوف خصوصا من إجراءات انتقامية أو دعوات لمقاطعة منتجات أمريكية كما حدث في كندا، ما يعرض قطاعات تصديرية أمريكية هشة مثل الزراعة لضربات أشد.
ويشير اقتصاديون إلى أن بلادا ناشئة على غرار البرازيل وتايلاند قد تتلقى صدمة شديدة الضرر في حال قررت الإدارة الأمريكية تفعيل الرسوم الجمركية بالمثل.
كما يستدل بمثال الهند التي تفرض 25% على واردات السيارات الأمريكية، ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى فرض نسبة مماثلة على السيارات الهندية.
التضخم
وكان رفع تكلفة السلع قضية محورية لدى الأسر الأمريكية، وأسهم في صعود ترامب السياسي نتيجة تذمر العديد من الناخبين من تراجع القدرة الشرائية.
وعلى الرغم من تراجع نسبي في التضخم منذ ذروته عند 9,5% في ربيع 2022، فإن آخر تحديث لمؤشر أسعار الاستهلاك يشير إلى بلوغه 3% في كانون الثاني/يناير الماضي، قبل تطبيق الحزمة الأحدث من التعريفات الجمركية.
ويخشى خبراء اقتصاديون أن تسهم الرسوم الجديدة في إعادة تسخين الأسعار، مفاقمة أعباء المستهلك العادي.
وفي سياق دفاعه عن سياساته التجارية، قال ترامب إن هذه الإجراءات “توفر ضغطا فعالا على شركائنا التجاريين”؛ لدفعهم إلى تلبية مطالب الولايات المتحدة بشأن الانفتاح والعدالة التجارية، ومن ثم خفض العجز في الميزان التجاري.
غير أن أصواتا اقتصادية عديدة تحذر من أن هذا المنهج قد يقود إلى سباق انتقامي يهدد استقرار الأسواق العالمية، ويأتي بعواقب معاكسة للأهداف الاقتصادية المعلنة.