كردستان ، سدود كردستان ، السلة الغذائية ، العراق
لم يتلقَّ إقليم كردستان حتى الآن هطولاً كافياً للأمطار، رغم اقتراب فصل الشتاء من نهايته، ما قد يهدّد بتداعيات بيئية بعيدة المدى، أهمّها الإضرار بالمواسم الزراعية التي أصبحت تشكّل جزءاً رئيسياً من الاقتصاد المحلي.
فقد شهدت مناطق الإقليم أولى الموجات المطرية في أواخر العام الماضي، خصوصاً في السهل الممتد على طول المنطقتين الجنوبية والغربية، بالذات في محافظتي أربيل ودهوك. والإقليم كان على الدوام أكثر مناطق العراق غزارة بالأمطار بسبب طبيعته الجبلية وبعده النسبي عن مركز البادية العراقية/السورية.
ورغم ذلك، أعلنت المديرية العامة للسدود زيادة كميات المياه المخزّنة في سدود الإقليم، بمقدار تجاوز 2 مليار متر مكعّب عمّا كانت عليه العام الماضي، بالذات في السدّ الرئيسي دوكان بنسبة 30% عمّا كانت عليه في فصل الخريف، بزيادة بلغت 500 مليون متر مكعّب، وفي سدّ دربنديخان بمقدار الضعف. وهي زيادة تأتّت من الهطولات الثلجية في أعالي الجبال، التي تتدفّق جنوباً وتستقرّ في عشرات السدود المصمّمة جنوباً.
نتيجة لهذه الأوضاع المناخية، أعلنت مُديرية الزراعة في محافظة نينوى (الموصل) التي تشترك مع إقليم كردستان بحدود سهلية طويلة، إدراج 400 ألف هكتار من الأراضي الزراعية فقط ضمن خطّتها الزراعية لهذا العام، من أصل 4 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية، ما يعني عدم دخول قرابة 90 في المئة من الأراضي الزراعية ضمن الخطّة الزراعية السنوية، بسبب الوضع المناخي.
والمناطق السهلية في الإقليم المتأثّرة بالتأثّرات المناخية وشحّ الأمطار هي الأكثر إنتاجية وتشكّل "سلة" زراعية لعموم مناطق العراق، وتحوّلت خلال السنوات القليلة الماضية إلى بيئة لتصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج، بما في ذلك الدول الأوروبية. فسهول محافظة دهوك، بالذات في منطقة روفيا، أصبحت بيئة استراتيجية لإنتاج البقوليات والخضر، خصوصاً البطاطا والذرة الصفراء، بعد بناء أكثر من 30 ألف بيت زجاجي للإنتاج الزراعي، ومدّ المزارع بالطاقة الكهربائية المنتجة عبر ألواح الطاقة الشمسية، وتأسيس سدود متوسّطة الحجم، لتوفير المياه بشكل مستدام.
المزارع خليل ياسين شرح لـ"النهار" أنّ الخدمات اللوجستية مثل البيوت الزجاجية والطاقة الكهربائية النظيفة ومياه السدود ليست كافية لديمومة المنتجات الزراعية وجودتها، ما لم تكن مترافقة مع هطولات مطرية شتوية منتظمة، لا تقلّ عن معدّل 400 ملم3 في العام، وأضاف: "منجاتنا الزراعية لا تعتمد على الدائرة الخدمية للمنتج الزراعي فحسب، فهي تحتاج إلى الهطولات المطرية المتواترة، لتأثيراتها على رطوبة الأجواء ونوعية البكتيريا والآزوت وغيرها من حاجات الإنتاج الزراعي، هذا إلى جانب ما توفّره الأمطار من سواقٍ وتسرّبات مائية إلى الأعماق الأرضية. فمنطقة روفيا بالتحديد هي مركز نجاح المنتجات الزراعية والبقولية بسبب طبيعة تربتها الرطبة تقريباً طوال العام، وكلّه بفضل الهطولات المطرية الكثيفة".
وفي المناطق الجنوبية والشرقية من الإقليم، في محافظتي السليمانية وحلبجة، تنتشر الزراعات البعلية، بالذات القمح والشعير في منطقة سهل بنجوين وسيد صادق، وهي تعتمد على الهطولات المطرية بشكل كامل، ومثلها أيضاً سهول منطقة حرير وسط محافظة أربيل. هذه المناطق التي تلبي كلّ حاجة الإقليم من هذه المواد، تحتاج على الأقل إلى 400 ملم3 في العام، ولم يحقّق هذا العام نصف هذه الهطولات حتى الآن. كذلك فإنّ الأشجار المثمرة في المناطق الجبلية قد تتأثّر أيضاً بسبب شحّ الأمطار. فأشجار الجوز والرمّان والفستق المشهورة جدّاً في إقليم كردستان، قد يكون إنتاجها من دون المتوسّط العام من حيث الكمية والجودة بسبب ذلك.
الأمر المثير في كردستان يتعلّق بعدم قدرته على مواجهة التحوّلات المناخية في مناطقه من دون تعاون واضح من الحكومة الاتحادية العراقية، وهذه الأخيرة داخلة في "مواجهة مالية إستراتيجية" مع إقليم كردستان، إذ تدفع فقط حصّة إقليم كردستان من رواتب موظفي الإقليم، من دون تغطية أيّ خطط إستراتيجية، بالذات في القطاعات البعيدة المدى، مثل مواجهة التغيّرات المناخية.
المستشار والباحث في الشؤون البيئة مراد أينكي شرح لـ"النهار" الخطوات التي يقوم بها الإقليم بقوله: "التوجّه الأول لحكومة إقليم كردستان لمواجهة التغيّرات المناخية هو بناء عشرات السدود لحجز المياه وزيادة مستويات الرطوبة وحماية الحياة البرية وتنظيم عمليات سقاية الزراعات الإستراتيجية. فخلال العام الماضي مثلاً تمّ بناء سدود جمروكة وياستورة وكومسبان، وشُيّد مشروع واحد لتأمين المياه لمحافظة أربيل بشكل مستدام عبر حفر مئات الآبار الإستراتيجية لتأمين المياه لجميع السكان. كذلك يشارك الإقليم في المؤتمرات العالمية الخاصّة بالشؤون البيئية".