في كلّ موسم جديد يبهرنا المصمّم المبدع وصاحب المخيّلة الخصبة دانييل روزبيري بتصاميمه التي تدمج الخيال بالواقع، والمستقبل بالتاريخ القديم، والواقع بالأساطير. يروي روزبيري، الحائز على جائزة "المصمّم الدولي لهذا العام"، حقبات مختلفة من التاريخ من خلال مجموعة أزياء الخياطة الراقية التي ابتكرها لدار سكياباريلي Schiaparelli العريقة وحملت اسم "إيكاروس" تيمّناً بالشخصيّة الأسطوريّة التي استوحى منها مجموعته المميّزة. مع انطلاقة أسبوع الـ"كوتور"، حلّق روزبيري عالياً، وحقّق مجداً جديداً لإبداعاته التي لا تنتهي.
الأسطورة تصبح واقعاً
صباح اليوم، استيقظت باريس على رؤية مبهرة في عالم الموضة، رسمها دانييل روزبيري بأسلوبه الخاص، وحولّها إلى أزياء راقية لربيع وصيف 2025 تحمل بصمة دار سكياباريلي الفريدة. تمّ عرض المجموعة الجديدة في متحف Petit Palais المهيب، وتميّزت بمزيجٍ من التصاميم التي جمعت بين غموض الأساطير وواقع التاريخ بلمسة فنيّة لا تخلو من الحداثة، وتنبض بالأناقة الخالدة.
فقد أثبت المدير الإبداعي لدار سكياباريلي، أن مجموعة "إيكاروس" ليست مجرّد أزياء مبتكرة، بل هي لغة ثقافيّة، تقدّم تحيّة لماضي وحاضر ومستقبل الـ"هوت كوتور"، مترجماً هوسه بالقصّات التاريخيّة التي تعكس الفخامة بتفاصيلها الدقيقة، وتطريزاتها الحرفيّة المميّزة، والتي دمجها بقصّات استوحى انحناءاتها من فنّ الـ "أرت ديكو" في العشرينات، ورُقي تصميم التنانير في الخمسينات التي تميّزت بقصّة حرف A باللغة الأجنبيّة، ورومانسيّة الفساتين المنسدلة التي راجت في التسعينات. كما أضفى لمعة الغليسرين على الريش ما عكس دقّة التفاصيل المشغولة بحرفيّة عالية في كلّ قطعة صمّمها.
عرضٍ بصريّ تجاوز الأزمنة
خلال العرض المبهر، سارت العارضات على وقع أغنية Father Figure من العام 1987 للمغنّي الراحل جورج مايكل في إشارة إلى المشهد الراقص لهاريس ديكنسون في فيلم Babygirl، الذي اعترف روزبيري أنّه مهووس به. وقد أضافت الأغنية بإيقاعها الساحر بُعداً عاطفياً مؤثّراً أثناء عرض المجموعة.
مع "إيكاروس"، أثبت دانييل روزبيري ان دار سكياباريلي ليست مجرّد دار أزياء عاديّة، بل بوابة إلى عالم يتقاطع فيه الفن والموضة والأساطير. فلم تكتفِ المجموعة بالتحليق، بل ارتفعت إلى القمّة، تاركة بصمة لا تنسى من اليوم الأول لأسبوع الخياطة الراقية في باريس.
وعلى عكس "إيكاروس" (شخصية من الأساطير الإغريقيّة كان ابن المخترع ديدالوس، وهلك وهو يحلّق بالقرب من الشمس بأجنحة صنعها من الشمع)، لم يكن هناك سقطة، بل تحليقاً من خلال ما قدّمته المجموعة من عرضٍ بصريّ تجاوز الأزمنة. فقد خطفت العارضات الأنظار وهن يستعرضن أجمل الفساتين داخل القاعة الرخاميّة، مجسّدات رؤية روزبيري للسفر عبر الزمن مع كل تصميم. البداية كانت مع أليكس كونساني التي افتتحت العرض بمعطفٍ فاخر مغطّى بالريش، يعكس لمعاناً خافتاً تحت الأضواء. أمّا اللمسة الدرامية فتجلّت عندما أزيل غطاء الرأس الشبكي في شكل مفاجئ في اللحظة الأخيرة.
تلتها أنجلينا كيندال، التي تألّقت في "كورسيه مخملي بياقة عميقة مع تفاصيل من اللؤلؤ، مشعّة بسحرٍ ملكي ينافس لوحات عصر النهضة. ثم جاءت كيندال جينر التي أبهرت الحضور بفستان "كورسيه" بلون بني-رمادي Taupe تميّز بخصر بارز ومنحوت جمع بين موضة المنحيات في الخمسينات واللمسة العصرية.
وتوالت التصاميم المبهرة على منصّة العرض: سترات كبيرة الحجم مزيّنة بتطريزات يدويّة، فساتين بكتف واحدة تتدفّق فيها دوّامات من الحرير، وأخرى بتوليفات جمعت بين الساتان والجلد. ومن بين الإطلالات التي لفتت الأنظار، كانت تلك التي تألّقت بها مونا توغارد التي لفتت الأنظار بفستانٍ بلون الموكا ينسدل ملامساً الأرض ليطفو بسحر خاص.