مقالات __ كتاب __ صوت جرش
كشف لي دبلوماسي غربي مقيم في القاهرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اشتكى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حجم الشعبية التي يحظى بها الملك عبد الله الثاني في الأردن، وفقًا لتقارير الموساد. هذه التقارير تشير إلى أن الملك لا يتمتع فقط بدعم شعبي واسع، بل يدير الأمور بذكاء ويعزز مكانة ولي العهد، مما يزيد من استقرار النظام الأردني، وهو ما يزعج إسرائيل.
في المقابل، لا يزال ترامب يسعى لكسب رضا اللوبي الصهيوني لضمان تمرير مشاريعه في الكونغرس، حيث يُعتبر نتنياهو لاعبًا أساسيًا في هذا اللوبي. بالنسبة لترامب، القضية الفلسطينية ليست سوى ملف يمكن استغلاله لتحقيق مكاسب سياسية ومالية، تمامًا كما تعامل أجداده مع السكان الأصليين في أمريكا: “اقتل، اقصِ، وقلّص وجودهم”. لا ينظر ترامب إلى الفلسطينيين كشعب له حقوق، بل يرى القضية كصفقة يمكنه من خلالها استنزاف أموال الخليج لخدمة أجندته.
لكن في قلب هذه المعادلة، يقف الملك عبد الله كعقبة صلبة أمام أي محاولات لفرض التهجير القسري على الفلسطينيين. فالموقف الأردني واضح وحاسم: التهجير إعلان لحالة حرب. هذا التصريح ليس مجرد موقف سياسي، بل يحمل تبعات قانونية دولية خطيرة، إذ يعني أن أي محاولة لفرض التهجير ستُعتبر اعتداءً مباشرًا على سيادة الأردن، مما قد يؤدي إلى تصعيد لا يمكن التكهن بعواقبه.
التنسيق المصري-الأردني… جبهة عربية موحدة
في مواجهة هذه المخططات، برز التنسيق المصري-الأردني كركيزة أساسية في التصدي لمشاريع التهجير والتوطين، حيث يعمل الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني في خط واحد، رافضين أي حلول تستهدف تغيير واقع القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار. هذا التحالف الاستراتيجي يعكس التفاهم العميق بين البلدين، ويدل على أن القاهرة وعمّان تدركان تمامًا خطورة المرحلة، مما دفعهما إلى التحرك المشترك على أعلى المستويات.
مصر، التي وصفها الملك حسين الراحل بـ”الشقيقة الكبرى”، تبقى العنوان والمفتاح الأساسي للشرق الأوسط. رغم المحاولات المستمرة لإضعافها، ما زالت القاهرة تحتفظ بثقلها الإقليمي، وهو ما تدركه القيادة الأردنية جيدًا. ومن هنا، جاءت رسائل الملك عبد الله لتعزيز الحضور العربي الجماعي وإيصال موقف عربي موحد إلى المجتمع الدولي، مفاده أن أي محاولة لفرض التهجير ستواجه جدارًا عربيًا صلبًا.
المخطط الفاشل لإحراج الملك
لم يكن لقاء الملك عبد الله مع ترامب مجرد اجتماع سياسي روتيني، بل كان جزءًا من مخطط مُحكم وضعه نتنياهو وترامب لإحراج الملك الأردني. قبل زيارة الملك بأسبوعين، استقبل ترامب نتنياهو في البيت الأبيض بطريقة تعكس حجم الدعم غير المشروط له، حيث لم يتردد في سحب كرسي وإجلاس نتنياهو عليه أمام الكاميرات، في إشارة واضحة على أن كرسيه محمي ولن يُمسّ، وهو ما يُعتبر في لغة السياسة رسالة قوية تحمل معاني الولاء المطلق.
وعندما جاء موعد لقاء الملك عبد الله، كان المخطط أن يكون اجتماعًا مغلقًا بدون صحفيين، باستثناء المصورين الذين سيلتقطون صورًا يظهر فيها الملك وترامب وخلفهما المدفأة الشهيرة في القاعة الرئاسية. لكن هنا تجلت “الترامبية” الهوجاء، إذ ظن ترامب أنه قادر على إحراج الملك، فطلب فجأة إدخال الصحفيين وفتح المجال لأسئلة مباشرة.
كانت المفاجأة أن أول سؤال لم يكن حول العلاقات الأردنية الأمريكية كما هو متعارف عليه في اللقاءات البروتوكولية، بل كان سؤالًا مستهدفًا حول “اقتطاع جزء من الأردن لإسكان الفلسطينيين”. ومن يتابع جيدًا هذه التفاصيل يدرك أن الأمر كان معدًّا مسبقًا، حيث كانت الصحفية التي طرحت السؤال مراسلة صهيونية من واشنطن بوست، ما يكشف أن الهدف لم يكن مجرد طرح سؤال عابر، بل محاولة لإحراج الملك ووضعه في موقف صعب أمام الإعلام العالمي.
لكن كما هو متوقع، فشلت الخطة. تعامل الملك عبد الله بذكاء وحنكة، وأجاب بطريقة دبلوماسية حاسمة قطعت الطريق على أي محاولات للالتفاف حول الموقف الأردني الثابت. وكانت الصدمة الكبرى التي تلقاها ترامب هي الرسالة الذكية التي أوصلها الملك للعالم بأسره عندما استدار دبلوماسيًا وأعلن أن الأردن سيستضيف 2000 طفل فلسطيني، مشيرًا إلى البعد الإنساني للقضية، وهو ما أسكت ترامب تمامًا، وجعل محاولة إحراجه تتحول إلى انتصار دبلوماسي واضح للملك.
إعلام البيت الأبيض في قبضة الصهاينة
لم يكن هذا اللقاء العابر سوى حلقة في سلسلة من المحاولات الأمريكية الإسرائيلية لتغيير الحقائق وتوجيه الرأي العام بما يخدم أجنداتهم. يكفي أن تعرف، أيها القارئ، أن من يدير المشهد الإعلامي في البيت الأبيض اليوم ليست سوى كارولين ليفيت، الصحفية الصهيونية التي تولت منصب المتحدثة باسم البيت الأبيض، لتكون بذلك أصغر شخص في التاريخ يتولى هذا المنصب، ولكن الأهم من ذلك، أنها أصبحت الصوت الذي يُشكل السياسات الإعلامية للإدارة الأمريكية.
إن وجود شخصية مثل ليفيت في هذا الموقع الحساس يسلط الضوء على النفوذ الصهيوني العميق في دوائر صنع القرار الإعلامي والسياسي في واشنطن، ويؤكد أن المواجهة لم تعد فقط في ساحات السياسة والدبلوماسية، بل أيضًا في معركة السيطرة على الخطاب الإعلامي العالمي.
الخلاصة: الملك عبد الله ينتصر دبلوماسيًا
ما جرى في ذلك اللقاء كان انتصارًا دبلوماسيًا يُرفع له القبعة. لم ينجح ترامب في إحراج الملك، بل على العكس، خرج الملك من اللقاء أكثر قوة، وأوصل رسالة واضحة بأن الأردن ومصر والعالم العربي لن يكونوا جزءًا من أي مشاريع تصفية للقضية الفلسطينية.
وفي النهاية، يبقى الملك عبد الله الصخرة التي تتحطم عليها المشاريع التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، ويبقى الأردن ثابتًا في مواقفه، مستندًا إلى دعم عربي، وتحديدًا التنسيق الوثيق مع الشقيقة الكبرى مصر، لمواجهة أي مخططات تستهدف مستقبل المنطقة.