نركيا __ نواب __ تهريب الذهب __ صوت جرش
تقدّم 3 نواب من حزب "الحركة القومية" في تركيا باستقالاتهم من عضوية الحزب بطلب من قيادته لينخفض عدد ممثليه في البرلمان إلى 47، مقترباً من عدد نواب "حزب الجيد" المنشق عنه والبالغ 43 نائباً.
وفي حين أكّد الحزب اليميني المتطرف أنباء طلب الاستقالة من النواب من دون إعلان الأسباب الموجبة، علمت "النهار" من مصدر إداري وآخر إعلامي من داخل الحزب أن الطلب جاء نتيجة تورّط هؤلاء وغيرهم من الأعضاء في قضايا تهريب الذهب إلى البلاد.
تهريب الذهب في تزايد
وبعد دفعهم إلى الاستقالة "على خلفية تحقيق حزبي"، بحسب التصريح الرسمي، شارك كل من نائب إسبرطة، حسن بصري صونماز، ونائب بولو، إسماعيل أكغول، ونائب كلس، مصطفى دمير، منشورات في موقع "إكس" أكّدوا فيها بقاءهم على "الولاء للحزب وزعيمه" من دون التطرق إلى إمكان استقالتهم من البرلمان.
وقال مستشار سابق لرئيس الحزب دولت باهتشيلي، تحدّث إلى "النهار" مشترطاً عدم الكشف عن هويّته، أن "الحزب طلب من النوّاب المذكورين تقديم استقالاتهم بسبب تورّطهم في تهريب الذهب بشكل متواصل إلى تركيا، ضمن فضيحة كبيرة ستطال العديد من المسؤولين الحزبيين في العدالة والتنمية أيضاً".
وبدأت ظاهرة تهريب الذهب في تركيا بعد حظر وزارة الخزانة والمالية عمليات الاستيراد وحصرها بـ 3 شركات مقرّبة من الحكومة، ضمن الاجراءات المتّبعة لخفض العجز في الموازنة، إذ اعتبرت الوزارة أن جزءاً كبيراً من هذا العجز يعزى إلى استيراد الذهب الخام، وأن الحل يمكن في فرض حصص تنظيمية على وارداته.
وأدّت هذه الإجراءات إلى تفاوت أسعار الذهب بين السوق التركية والأسواق العالمية وصولاً إلى 4000 دولار للكيلوغرام الواحد، ما خلق تجارة مربحة للمهربين، وزيادة نشاط التهريب أخيراً.
وشهدت الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام الحالي، ضبط كميات من الذهب المهرّب قدّرت قيمتها الإجمالية بـ 700 مليون ليرة تركية (20 مليون دولار)، وهو رقم يقترب من إجمالي ما تم ضبطه خلال عام 2023.
ورغم فرض الحكومة حصصاً على واردات الذهب، بقي الطلب المحلي على المعدن النفيس قويّاً، وذلك بسبب ازدياد رغبة الأفراد والشركات في حماية رأس مالهم من التضخم.
ويُسمح للقادمين إلى تركيا بإدخال ذهب ومجوهرات تصل قيمتها إلى 15,000 دولار من دون الحاجة إلى التصريح عنها، ما يغذي مشكلة التهريب.
السياسيون يستغلون امتيازاتهم
وقبل شهر، ضبط عناصر الجمارك في مطار اسطنبول 60 كيلوغراماً من الذهب المهرّب في حقائب سفر يونس إمري مورقوتش، مدير المكتب السابق لنائب الوزير والبرلماني عن حزب "العدالة والتنمية" فاتح ميتين خلال مرورهما في صالة كبار الشخصيات (VIP) في المطار.
وأنكر ميتين علمه بماهية الذهب المهرب الذي بلغت قيمته حوالى 174.7 مليون ليرة تركية (حوالى 5 ملايين دولار)، زاعماً أن الحقائب تعود إلى مدير مكتبه السابق الذي يرافقه في سفراته الخارجية كصديق من دون وجود تقاطعات في العمل أو النشاط الخارجي بينهما.
وقال مصدر إعلامي متابع للدعوى لـ"النهار" أن "ميتين لم يواجه أي تهم قانونية، بل ولم يذكر إسمه في الضبوط الرسمية حتى، على رغم وجوده برفقة المتّهم بالتهريب مورقوتش، الذي ما كان ليكتسب حق المرور بصالة كبار الشخصيات من دون مرافقته نائب الوزير".
وأضاف المصدر أن "التحقيقات بيّنت أن هذه الرحلة كانت السادسة لهما، وتمت كلها من خلال العبور بصالة كبار الشخصيات عند الذهاب والإياب".
وتستثني القوانين التركية رئيس الجمهورية والوفد المرافق له من التفتيش، بينما تنص على ضرورة تفتيش حقائب جميع الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال الذين يستخدمون صالة كبار الشخصيات، لكن هذا الإجراء لم يكن معمولاً به حتى الأمس القريب.
ووفق المصدر الإعلامي فإن "كثرة الرحلات المتعاقبة للشخصين، وثقل حقائبهما دفعا ضابطة جمارك المطار إلى تفتشيها، لكن السبب الأهم هو الضغوط التي بات وزير الخزانة والمالية التركية يمارسها على السلطات المعنية من أجل الحد من ظاهرة تهريب الذهب المتفشّية".
وفي تصريح سابق، كشف رئيس جمعية مصدري المجوهرات التركية مصطفى كامار عن ارتفاع تهريب الذهب إلى مستويات لم تشهدها البلاد، حتى في ظل قانون الصرف الأجنبي لعام 1989، مشيراً إلى أن الأرقام الرسمية للذهب الخام الداخل إلى البلاد، والمصوغات المصدّرة لا تعكس الواقع.
ووفق المصدر الإعلامي فإن "البيروقراطيين والسياسيين الرفيعي المستوى باتوا يستغلون مواقعهم وامتيازاتهم لتسهيل عمليات التهريب، سواء عبر الحدود البرية أم من خلال صالات كبار الشخصيات في المطارات حيث تكون البروتوكولات الأمنية أقل صرامة". ورأى المصدر أن "غياب المحاسبة وتدنّي الرواتب قد يكونان السبب الأساسي في تفشّي ظاهرة التهريب لدى هذه الفئة".
وفي عام 2021، نفّذت السلطات الأمنية مداهمات واسعة لضرب شبكة قامت بتهريب 75 طناً من الذهب، تُقدَّر قيمتها بـ1.6 مليار يورو، من ألمانيا إلى تركيا باستخدام نظام الحوالة، وهو نظام تحويل أموال غير رسمي يعمل خارج النظام المالي الألماني بشكل غير قابل للتتبع.
ويسمح برنامج "السلام المالي" في تركيا، المعروف باسم "Varlık Barışı"، بدخول الأموال والأصول المنقولة من الخارج من دون تدقيق ضريبي أو الاستفسار عن مصدره، ما يسهّل من عمليات التهريب، على رغم أن القانون نصّ على أحكام تتراوح بين 3-6 سنوات لمرتكب جرم تهريب الذهب.
ولا يقتصر التهريب على الذهب، ولا ينحصر بالسياسيين المحسوبين على السلطة، فقد ضبطت السلطات في 20 أيلول (سبتمبر) الماضي أجهزة سجائر إلكترونية مهربة داخل سيارة رسمية تعود للنائب عن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض عن أدرنة، إدز أون، أثناء دخوله إلى تركيا من اليونان، ما أجبره على تقديم استقالته من حزبه.