كان متوقعاً أن يحصل الانفجار، أو الحرب الأهلية الجمهورية كما وصفها البعض، عاجلاً أم آجلاً. يبدو أن التطورات فضّلت العاجل على الآجل. بينما فضّل الملياردير الشهير إيلون ماسك فتح الحرب سريعاً، وبلغة مبتذلة: "اِرجعوا خطوة كبيرة إلى الوراء وضاجِ*وا أنفسكم في الوجه".
خاطب ماسك، الوزير المقبل المشارك في وزارة الكفاءة الحكومية، قسماً كبيراً من قاعدة "ماغا" الترامبية بانتقاد لاذع بعد معارضتها برنامج التأشيرات "إتش-1 بي" الذي يسمح للشركات بتوظيف عمال أجانب في قطاع التكنولوجيا.
كسل
عملياً، أطلق الرئيس المنتخب دونالد ترامب البلبلة بشكل غير مقصود بعدما عيّن في 22 كانون الأول (ديسمبر) رجل الأعمال من أصل هندي سريرام كريشنان مستشاراً أول لسياسات الذكاء الاصطناعي. بفعل تشجيع الناشطة الترامبية لورا لومر، غضب جزء من القاعدة الترامبية، لأن تعيين الرجل مثّل بحسب رأيهم خيانة لمبادئ "أميركا أولاً". وقالت لومر في اليوم التالي إن كريشنان وأمثاله في الإدارة هم "يساريون مخضرمون" وانتقدتهم لأنهم يدعمون إزالة سقف الجنسية لمنح البطاقة الخضراء كما إزالة القيود المفروضة على هجرة أصحاب الكفاءة.
لم يسهّل ماسك المهمة على نفسه كثيراً. فهو أبدى إعجاباً برأي صاحب حساب على منصة "إكس" كتب أن الأميركيين "متخلفون" جداً كي يلبوا حاجة وادي السيليكون لمهندسين أكفاء. كما وصف ماسك معارضيه بأنهم "عنصريون". وبعدما وجه شتيمته إلى منتقديه في 28 كانون الأول، والتي يبدو أنها إعادة صياغة لجملة وردت في فيلم قديم، وعد بأنه سيذهب إلى الحرب بشأن هذه المسألة "بطرق لا يمكن أن تفهموها".
حتى شريك ماسك في رئاسة وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة فيفيك راماسوامي، وهو من أصول هندية، كان قاسياً ولو بطريقة غير مباشرة في انتقاد الأميركيين. فهو كتب على منصة "إكس" أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مهاجرين لأن الثقافة الأميركية بنيت في العقود الماضية إلى حد كبير على الكسل ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية وتفضيل التواضع الفكري على الامتياز.
"أنا شرير بما يكفي"
المخطط الاستراتيجي الأسبق في ولاية ترامب الأولى ستيف بانون قال في مقابلة عن ماسك: "إيلون ماسك، مرة أخرى أخي، أنا ذكي بما يكفي كي أقول لك ‘لا‘ في وجهك، أنا شرير بما يكفي كي أكون قادراً على كشف (حقيقتك) كتابع وفيّ لأعظم عدو حصلت عليه هذه الأمة"، في إشارة إلى الصين. وأضاف: "أنت لست أميركياً قومياً، أنت لست أميركياً حتى، كل ما أنت عليه هو عولمي". وماسك المولود في جنوب أفريقيا حصل على الجنسية الأميركية سنة 2002.
قال ماسك إن سبب وجوده في أميركا إلى جانب أشخاص مهمين بنوا شركة "سبيس إكس" و"تسلا" ومئات الشركات الأخرى التي "جعلت أميركا عظيمة هو بسبب إتش1-بي".
يسمح هذا البرنامج لأصحاب العمل بتوظيف موقت للعمال الأجانب الماهرين في مجالات التكنولوجيا والمال والهندسة. تبلغ صلاحية تأشيرات الدخول لهؤلاء العمال ثلاثة أعوام ويمكن أن تكون قابلة للتجديد. يقول مؤيدو البرنامج إنه يسمح لأميركا بالبقاء في حال من التنافس التكنولوجي مع القوى المتقدمة الأخرى، بينما يرى النقاد إنه يخفض الرواتب للأميركيين.
قالت المرشحة الرئاسية الجمهورية السابقة نيكي هايلي إنه إذا احتاجت صناعة التكنولوجيا فعلاً إلى الكفاءة، فعليها الاستثمار في النظام التعليمي الأميركي والقوة العاملة الأميركية، قبل النظر إلى أماكن أخرى. مع العلم أن هايلي غير محسوبة على تيار "ماغا"، هذا إن لم تكن ضحيته في التعيينات الإدارية الأخيرة التي كشف عنها ترامب لولايته المقبلة. يعني هذا أن انتقاد البرنامج لم يصدر فقط عن القاعدة الشعبية الصلبة لترامب.
حتى السيناتور اليساري عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز كان مشككاً بالبرنامج لأنه يسمح لأصحاب الشركات بخفض عدد الوظائف للأميركيين مقابل استقطاب العمال الأجانب، ولأنه يسمح لموفري خدمات الاتصال الذين يتخذون من دول أجنبية مقراً لشركاتهم باستخدام تأشيرة الدخول. وعلى أي حال، اقترح ماسك مؤخراً إدخال إصلاحات على البرنامج. جاء ذلك بعدما حسم ترامب الصراع لمصلحة وزيره المقبل إذ قال في مقابلة مع "نيويورك بوست" يوم السبت: "لطالما أحببتُ تأشيرات الدخول".
ستندلع مجدداً
تأييد ترامب لبرنامج التأشيرات ربما خفف الجدل الداخلي... لفترة قصيرة على الأرجح. لقد ساعد ترشح ترامب على إخفاء خلافات داخلية عميقة بين الجمهوريين. بعد دعم ماسك لترامب خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، أشاد بانون بخطوة الملياردير بالرغم من أنه اعترف بخلافه معه "حول كل شيء، وخصوصاً الصين".
لكن بمجرد فوزه بالانتخابات الرئاسية، وحتى قبل دخوله البيت الأبيض، اشتعلت النيران المستعرة بهدوء تحت الرماد. فموضع النقاش الحاد ليس الهجرة غير الشرعية التي يتفق عليها الطرفان، بل أساس الهجرة التي قد تفرض خطراً على الأمن القومي والداخلي وطريقة العيش الأميركية كما كتب المحلل البارز في "نيوزويك" جوش هامر الذي دعم قاعدة "ماغا" بمواجهة أقطاب التكنولوجيا. بحسب رأيه، أصبحت أميركا "مُبَلقنة"، ذاكراً أن 71 في المئة من العاملين في وادي السيليكون هم من الأجانب، بينما عجز 74 في المئة من خريجي العلوم في أميركا عن إيجاد وظائف في اختصاصاتهم.
ما أوصل ترامب إلى الرئاسة هو تحالف عريض بين تيارات فكرية وإثنية متنوعة تحت مظلة واسعة لليمين. من بين هذه التيارات، رواد الأعمال والتكنولوجيا الأثرياء والطبقة العاملة. بتعيين واحد فقط، أدرك ترامب صعوبة التسوية بين الطرفين؛ صعوبة قد ترسم صورة أولية عما ينتظره في الولاية المقبلة. وهذا على صعيد الداخل الجمهوري وحسب.