مقالات __ كتاب __ صوت جرش
في المشهد السياسي الأردني، تبرز ظاهرة تستحق التوقف عندها: صمت النخبة السياسية من وزراء سابقين، وأعيان، ونواب، وحزبيين، وكبار رجال الدولة من عسكريين ومدنيين، الذين شغلوا مواقع حساسة في الدولة لعقود. هذه النخبة، التي كانت في يوم من الأيام في قلب صناعة القرار والتأثير في مسار الأحداث، يبدو أنها تراجعت إلى الظل، مقتصرةً على الحضور في المناسبات الاجتماعية، بينما تواجه البلاد تحديات غير مسبوقة على المستويين الداخلي والخارجي.
هل هو زهد أم انسحاب مدروس؟
يتساءل الأردنيون: لماذا صمتت هذه النخب عن الاشتباك في الحياة العامة، ولماذا انسحبت من النقاش الوطني حول الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد؟ هل هو زهد في السياسة بعد سنوات من العمل الحكومي والبرلماني؟ أم أن هناك حسابات أخرى دفعتهم إلى إخلاء الساحة السياسية، وتركها بلا توازن في مواجهة التحديات؟
بعض التفسيرات تشير إلى أن هذا الانسحاب قد يكون مرتبطًا بالإحباط من المشهد السياسي الحالي، حيث باتت القنوات التقليدية للتأثير تضيق، سواء داخل البرلمان أو في المجال الحزبي أو حتى ضمن مؤسسات المجتمع المدني. فالنخبة التي اعتادت أن تكون جزءًا من عملية صنع القرار ربما وجدت نفسها مهمشة أو بلا دور فعلي، ما دفعها إلى الابتعاد.
الأردن يمر اليوم بتحديات كبرى، سواء على صعيد الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، أو تداعيات الأوضاع الإقليمية، يبدو غياب هذه النخبة وكأنه ترك فراغًا سياسيًا، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى كل العقول والخبرات لمواجهة التحديات بحكمة ورؤية.
الأردنيون يتطلعون إلى شخصيات تمتلك الخبرة والتجربة، شخصيات يمكنها أن تلعب دورًا فاعلًا في تقديم الحلول، والمشاركة في الحوارات الوطنية، لا أن تكتفي بالظهور في "الجاهات" والوساطات الاجتماعية. فمن غير المنطقي أن يكون حضورهم في المشهد الاجتماعي أكثر وضوحًا من حضورهم في المشهد السياسي والوطني.
الصمت لم يكن يومًا خيارًا صائبًا في أوقات الأزمات، بل على العكس، فإن الأوطان تُبنى بتراكم الخبرات، والمواقف الجريئة، والاستعداد لتحمل المسؤولية حتى بعد مغادرة المناصب الرسمية. الأردن بحاجة إلى جميع أبنائه، ولا يجوز أن يُترك وحيدًا في مواجهة تحديات مصيرية، بينما من امتلكوا الخبرة والمعرفة يتوارون عن المشهد.
ربما آن الأوان لأن تعيد هذه النخب النظر في موقفها، وأن تستعيد دورها الطبيعي كجزء من القوى الفاعلة في المجتمع. فالتاريخ لن يرحم من غابوا عن مسؤولياتهم في اللحظة التي كان الوطن يحتاجهم فيها.