تتسارع الأحداث في محافظة حمص السورية بشكل دراماتيكي مع تحقيق الفصائل المعارضة المسلحة المزيد من الانتصارات عبر دخول أجزاء جغرافية إضافية مع تقدم الساعات. ومساء اليوم، نقل مصدر مطلع لـ"رويترز" معلومات عن خروج المئات من عناصر "حزب الله" من حمص.
في السياق، وصفت مذكرة داخلية من عضو في الحرس الثوري الإيراني، اطلعت عليها نيويورك تايمز، الوضع في سوريا بأنه "لا يصدق وغريب". ويقال في المذكرة: "كأن إيران قبلت سقوط الأسد وفقدت إرادة المقاومة".
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين إيرانيين ثلاثة إن هيئة تحرير الشام أرسلت إلى إيران رسالة ديبلوماسية خاصة هذا الأسبوع. وقد وعدت "الهيئة" بأنها ستحمي المواقع الدينية الشيعية والأقليات الشيعية وطلبت من إيران عدم محاربة قواتها، وفقًا للمسؤولين.
من جانبها، طلبت إيران من الجماعة السماح بمرور آمن لقواتها للخروج من سوريا وحماية الأضرحة الشيعية، وفقًا لمصدرين، وفق الصحيفة.
ولعدة عقود، أنفقت إيران الكثير من الأموال لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، مما ساعده على البقاء في مواجهة حرب أهلية هددت حكمه العائلي.
وأدارت إيران قواعد عسكرية ومستودعات أسلحة ومصانع صواريخ في سوريا، واستخدمتها كقناة لتسليح حلفائها المسلحين في جميع أنحاء المنطقة.
وفي الوقت الذي يحتاج فيه الأسد إلى المساعدة لصدّ تقدم سريع لفصائل المعارضة المسلحة، بدأت إيران بالخروج.
يوم الجمعة، شرعت ايران في إجلاء قادتها العسكريين وموظفيها، بالإضافة إلى بعض العاملين الديبلوماسيين، وفقاً لمسؤولين إيرانيين وإقليميين.
هذا التحوّل اللافت يعني أن إيران لا تبدو فقط وكأنها تتخلى عن الأسد، حليفها العربي الأقرب، بل أيضًا عن كل ما بنته وحاربت للحفاظ عليه في سوريا على مدار 40 عامًا، وهو أهم موطئ قدم لها في العالم العربي.
ومع اقتراب تقدم المعارضة نحو دمشق، يبدو أن إيران غير قادرة على الدفاع عن حكومة الأسد بعد عام صعب من الحروب الإقليمية، التي بدأت بهجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول(أكتوبر).
وعلى الرغم من تعهد المسؤولين الإيرانيين علنًا بالبقاء ملتزمين تمامًا بدعم الأسد، إلا أنهم كانوا، في السر، يتساءلون عما إذا كانت الأحداث تتجاوز قدرتهم على قلب المعادلة.
وتحوّلت قنوات التلفزيون الرسمية الإيرانية من وصف المعارضة المسلحة بـ"الإرهابيين الكافرين" إلى "جماعات مسلحة".
وترى الصحيفة أن هذا الانسحاب الإيراني المتسارع من سوريا يمثّل لحظة فارقة، تكشف حدود قدرة إيران على التدخل في المنطقة وسط تغيرات جيوسياسية عميقة.
وقال سهيل كريمي، مقاتل سابق في سوريا تحوّل إلى محلل سياسي، في برنامج إخباري على التلفزيون الرسمي إن وعود عباس عراقجي بدعم الحكومة السورية لم تكن سوى أمل زائف.
وقال كريمي: "الواقع على الأرض ليس كما يقول". وأشار إلى تقارير من مصادره في سوريا قائلاً: "رجالنا ليسوا في ساحة المعركة في سوريا الآن. لم يُسمح لهم بذلك".
ونشر فيديو يوم الجمعة على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني يظهر ضريح السيدة زينب الشيعي بالقرب من دمشق شبه فارغ. ويقول ناشر الفيديو: "قد تكون هذه آخر الصور التي تراها للضريح، الجميع قد غادر سوريا، جميع الإيرانيين تم إجلاؤهم". ثم يبدأ في البكاء.
أرسل الحرس الثوري الإيراني قادة وقوات إلى سوريا في عام 2012 مع بداية الانتفاضة ضد نظام الأسد، وساعد في هزيمة كل من المعارضين لنظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
واستخدمت إيران وجودها المستمر في سوريا للحفاظ على سلسلة إمداد قوية بالأسلحة إلى حزب الله في لبنان وفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك من خلال موانئ وشبكات جوية.
لكن ديناميكيات الشرق الأوسط تغيّرت بشكل كبير في العام الماضي. وتعرضت إيران لضربات كبيرة عندما هاجمت إسرائيل مصالح وقواعد إيرانية في سوريا، بما في ذلك مجمع سفارتها في دمشق.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض حليف إيران الرئيس حزب الله لضغوط شديدة بعد القتال العنيف مع إسرائيل. وتركز روسيا على حربها الخاصة مع أوكرانيا. والأهم من ذلك، أظهر الجيش السوري عدم الاستعداد للقتال، وفق الصحيفة.
وقال المحلل مهدي همتي: "لدخول إيران في هذه المعركة سيكون الأمر بحاجة إلى موارد لوجستية ومالية ضخمة"، بالإضافة إلى مساعدة من الحلفاء وسوريا نفسها. وأضاف: "لا توجد أي من هذه الشروط حاليا".
ويرى محللون أن إيران في مأزق، خصوصًا مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية وتوقع فرض سياسة "الضغط الأقصى على إيران".