تتكثف المساعي الروسية لاعادة السيطرة على منطقة كورسك التي سيطر عليها الاوكرانيون في شهر آب (اغسطس) الماضي، إذ أطلقت القوات الروسية "هجوما كثيفا" في المنطقة الواقعة غرب البلاد مستعينة بقوات كورية شمالية سعياً لإخراج القوات الأوكرانية منها، وفق ما أعلنه القائد العام للجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي الثلاثاء.
وقال سيرسكي في خطاب أمام مسؤولين محليين: "على مدى ثلاثة أيام متواصلة، ينفّذ الجيش الروسي عمليات هجومية مكثفة في منطقة كورسك، مستعينا بشكل نشط بوحدات من الجيش الكوري الشمالي".
ومع تصاعد التوترات، تكتسب كورسك أهمية خاصة في المفاوضات المقبلة بين روسيا وأوكرانيا ومع إدارة الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب، كونها تشكل ورقة ضغط رئيسية.
كورسك... ورقة ضغط للجانبين قبل تنصيب ترامب
وأصبح القتال من أجل السيطرة على كورسك أكثر وحشية في الفترة الأخيرة، إذ يبدو أن الكرملين، قبل مفاوضات محتملة مع إدارة ترامب المقبلة لإنهاء الحرب، عازم على على إزالة الأراضي الروسية التي احتلتها أوكرانيا من المعادلة.
وتسيطر أوكرانيا على مساحات من منطقة كورسك منذ التوغل المفاجئ عبر الحدود في آب (أغسطس) الماضي، وعلى رغم خسارتها 40% من مكاسبها الأولية، لا تزال تحتفظ بموطئ قدم هناك.
ويبدو أن هذا التوقيت يُظهر تقدير الكرملين المتزايد لكيفية دور كورسك في المحادثات المستقبلية: إذا كان لا بد من إجراء مفاوضات، فإن روسيا تريد التأكد من أن الأرض الأوكرانية فقط هي التي ستكون موضع نقاش، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وقال رئيس تحرير صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" كونستانتين ريمشوكوف، القريب من الكرملين، لصحيفة "واشنطن بوست": "من الواضح أن موسكو لن تبدأ أي مفاوضات قبل أن تطرد آخر جندي أوكراني من كورسك".
وأضاف أن بوتين لا يريد استخدام كورسك ورقة مساومة ولا يريد أن يُجبر على التخلي عن أي من الأراضي الأوكرانية التي استولى عليها منذ الغزو الروسي.
وفي الوقت الذي ترفض فيه كييف علناً اقتراحات تبادل الأراضي مقابل السلام، فإنها تتطلع أيضاً إلى رئاسة ترامب المقبلة وتريد إبقاء كورسك على الطاولة بقدر ما تريد روسيا إبعادها.
وقال روب لي، وهو زميل بارز في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" ومقره فيلادلفيا لـ"واشنطن بوست" إن أوكرانيا على الأرجح ترى في عملية كورسك ورقة ضغط مستقبلية محتملة في المفاوضات، لكن الجانب السلبي هو أن العملية أرهقت جيشها بشكل كبير.
الجيش الاوكراني يتقهقر في كورسك
وبالفعل، يواجه الجيش الاوكراني حالة من الارهاق والتقهقر في كورسك، في حين أشارت قناة "بي بي سي" إلى أن مقابلاتها مع القوات التي تحارب في كورسك ترسم صورة كئيبة لمعركة لا يفهمها الجنود بشكل صحيح ويخشون خسارتها.
وتحدث جنود من كورسك إلى "بي بي سي" عن الظروف الجوية الرهيبة وقلة النوم المزمنة الناجمة عن القصف الروسي المستمر.
وتحدث جندي يدعى بافلو (اسم مستعار) عن الإرهاق الهائل، وغياب التناوب ووصول الوحدات المكونة في معظمها من رجال في منتصف العمر، والتي تم جلبها مباشرة من جبهات أخرى مع القليل من الوقت للراحة أو عدم وجود وقت للراحة.
وتساءل بعضهم عما إذا كان أحد الأهداف الأولية للعملية، وهو إبعاد الجنود الروس عن الجبهة الشرقية لأوكرانيا، قد نجح.
وقالوا إن الأوامر الآن هي التمسك بهذه البقعة الصغيرة من الأراضي الروسية حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض في نهاية كانون الثاني (يناير).
ويعاني أوليكساندر، وهو قائد وحدة في الكتيبة الهجومية 225 واثنان من زملائه من صعوبة في السمع بسبب القصف المستمر، وقال لـ"سي ان ان" إن وحدته لم تنم لمدة ثلاثة أيام ولم تغادر خط المواجهة لمدة ثمانية أشهر، كما أنها شاركت في قتال شرس في مدن باخموت وأفدييفكا وتشاسف يار الأوكرانية.
عملية كورسك... حيوية؟
ومع أن غزو آب شكل نجاحًا تكتيكياً نادراً ومكسباً استراتيجياً لكييف، الا انه أدى إلى انتقادات بأن النقص الذي أحدثه الغزو ساهم في تقدم روسيا عبر الجبهة الشرقية في دونباس.
وقال محللون إن الخسائر الأوكرانية في منطقة دونيتسك الشرقية تسارعت في منتصف آب (أغسطس) إلى منتصف أيلول (سبتمبر) حيث تركت الوحدات ذات الخبرة مواقعها وركزت على عملية كورسك. وأشاروا إلى أن القوات الروسية داخل أوكرانيا تقدمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بشكل أسرع من أي وقت مضى منذ عام 2022.
وقال بعض الجنود لـ"بي بي سي" إنهم شعروا أنهم كانوا في المكان الخطأ، وأنه كان من الأهم أن يكونوا على الجبهة الشرقية لأوكرانيا، بدلاً من احتلال جزء من روسيا.
ومع ذلك، يؤكد الأوكرانيون أنهم على رغم الضغط المتزايد، صامدون إلى حد كبير، بحسب "واشنطن بوست".
وقال الجندي الأوكراني فاديم لـ"بي بي سي" إنه رغم الخسائر، "أعتقد أن حملة كورسك لا تزال حيوية... لقد نجحت بالفعل في إبعاد بعض القوات الروسية عن منطقتي زابوريجيا وخاركيف".
واعترف بأن القوات الأوكرانية تعاني من "ظروف صعبة للغاية" في كورسك، لكنه قال إن روسيا تكرس موارد هائلة لإخراجها، وهي موارد تفضل أن تستخدمها في مكان آخر.
ويصر المحللون العسكريون على أنه على رغم كل المصاعب، لا تزال حملة كورسك تلعب دوراً مهماً.
وفي كييف، يتمسك كبار القادة العسكريين بعملية كورسك، معتبرين أنها لا تزال تجني ثمارها العسكرية والسياسية.