قاد الرئيس السوري بشار الأسد حرباً لمدة 13 عاماً داخل بلاده وُصفت بإحدى أكثر الحروب عنفاً منذ بداية القرن الـ21، ورغم ذلك، لم يبدِ الأسد منذ العام 2011، أي علامات تردّد أو تراجع في مواجهة معارضيه.
ولكن منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر، تبدو سلطته أمام العالم مزعزعة وضعيفة، في مواجهة هجوم مباغت ينفّذه تحالف من فصائل مسلحة غالبيتها إسلامية، نجم عنه خسارة قواته لمناطق عدة بسرعة مذهلة بينها مدينتان رئيسيتان هما حلب وحمص في أسبوع واحد، قبل أن تنتقل العدوى الى مجموعات أخرى محلية معارضة سيطرت بدورها على مدينتي دير الزور ودرعا ومحيطهما.
من هو؟
وصل الأسد الى الحكم في العام 2000. خلال سنوات النزاع، نظمت انتخابات رئاسية أكثر من مرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وأعيد انتخابه في كل مرة، في انتخابات كانت محور انتقادات وتساؤلات حول نزاهتها من دول عدة.
يقول صحافي ممّن التقوا بشار الأسد أكثر من مرة قبل الحرب وخلالها، لوكالة فرانس برس، "بشار الأسد شخصية فريدة ومركّبة... في كل مرة التقيته، كان هادئاً وغير متوتر. حتى في أشد لحظات الحرب الحرجة والقاسية، وهذه تماماً صفات والده" حافظ الأسد الذي حكم سوريا لمدة ثلاثين عاماً.
ويضيف: "استطاع أن يكون الرجل الذي لا يستطيع أن يستغني عنه أحد"، مضيفاً "قد يكون من السهل ترتيب الأوراق، لكن في السياسة، بشار الأسد أتقن لعبة خلط الأوراق".
وورث الأسد الابن عن والده الراحل، كما يكرّر عارفوه، الطباع الباردة والشخصية الغامضة. تتلمذ على يده في الصبر واستثمار عامل الوقت لصالحه. ولعب ذلك دوراً أساسياً في "صموده" في وجه "الثورة" التي اختار قمعها بالقوة، والحرب التي تعددت جبهاتها ولاعبوها، ثم "العزلة" العربية والدولية التي بدأت تنفك منذ سنوات عندما تمكّن من البقاء في منصبه.
كان والده حافظ الأسد زعيم حزب البعث الموجود في السلطة منذ أكثر من خمسين عاماً، وقد فرض في سوريا نظاماً أمنياً مشدّداً أمكن من خلاله سجن أي شخص لمجرّد الشكّ في ولائه.
تبدّلت حياة بشار الأسد بشكل جذري العام 1994، إثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الذي كان يتم إعداده ليحكم البلاد خلفاً لوالده، في حادث سير قرب دمشق.
واضطر للعودة من لندن حيث كان يتخصّص في طب العيون، وحيث تعرّف إلى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من إحدى أبرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل مع مصرف "جي بي مورغان" في حي المال والأعمال في لندن.
قبل الانتفاضة الشعبية، لُقّبت أسماء الأسد بـ"وردة الصحراء"، ثم شُبّهت بعد الثورة بماري أنطوانيت.
والتحق الأسد بالسلك العسكري وتدرّب على يد والده على الملفات السياسية.
بعد وفاة والده في العام 2000، أصبح بشار الأسد، وهو في الرابعة والثلاثين من العمر، رئيساً عن طريق استفتاء لم يشهد أي معارضة.
في بدايات عهده، ضخّ بشار الأسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش إلى الحرية بعد عقود من القمع، فسمح بإقامة ندوات ثقافية ونقاشات سياسية. لكنّ هذه الفسحة الإصلاحية الصغيرة سرعان ما أغلقت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
قبل اندلاع النزاع، اعتاد سكان دمشق رؤيته في الشوارع، يقود سيارته بنفسه، ويرتاد المطاعم مع زوجته. وحتى الآن، يعلّق العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم في دمشق صور شخصية لهم مع الأسد أثناء زياراته.
متماسك
في العام 2011، ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، أعطى الأوامر بقمع المتظاهرين السلميين، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً سرعان ما تعددت جبهاته ولاعبوه.
ورغم انشقاقات كثيرة عن الأجهزة الأمنية سجلت في بداية النزاع، بقي الجيش وفياً له. وأودى النزاع بأكثر من 500 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
وظلّ متماسكاً بينما كان يكرّر ما قاله منذ السنة الأولى للنزاع بأنّ بلاده ستخرج "منتصرة" بمواجهة ما وصفها بـ"مؤامرة" نسجتها قوى خارجية ضدها.
بعد بدء هجوم الفصائل المسلّحة في 27 تشرين الثاني/نومفبر، كرّر الأسد هذه القناعة. وندد بـ"التصعيد الإرهابي" الذي قال إنّه يهدف إلى "محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها، وإعادة رسم الخرائط من جديد".