مقالات __ كتاب __ صوت جرش
مع استلام الإدارة الأميركية الجديدة زمام الحكم برئاسة ترامب، ومعه الاغلبية في مجلس الشيوخ وكذا في الحكومة الفدرالية، أصبح واضحاً ان منطقتنا مقبلة على مرحلة جديدة من إدارة الصراع، من حيث الاستحقاقات، وبخاصة مع وجود قيادة صهيونية موغلة في العنصرية والتطرف الديني، باجندتها المعلنة في هندسة شرق أوسط جديد، عنوانه التصعيد إلى درجة الحسم في قطاع غزة والضفة الغربية، وارتدادات كل ذلك على الاردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر، وصولا الى حالة التطبيع مع دول الخليج، وتحقيق السلام الاقتصادي، كبديل عن أية حلول سياسية للقضية?الفلسطينية وتداعياتها القادمة. ولا يعرف حتى الساعة مدى تناغم ذلك وانسجامه مع المرحلة الترامبية بنسختها الثانية، والتي يبدو أنها لن تكون بعيدة عن وصفة الصفقات التي يتقنها رئيس البيت الأبيض الجديد.
ولربما ما يجري على الساحة في فلسطين ولبنان وسوريا، وبعدها ما قد يحدث في العراق وإيران، يمثل تحضيرا لمرحلة التغييرات الجيو-سياسية الشاملة في مجمل المنطقة. وبذلك يكون ملف المنطقة قد أصبح مفتوحا تماما بانتظار التعامل معه في الأسابيع او الاشهر القادمة. اي أننا أمام واقع جديد طور التشكيل سيجبر الدول المعنية (ومنها بلادنا) على التفاعل معه (شئنا ام أبينا)، وإعادة التموضع، حفاظا على مصالحنا مما يتطلب حضورا مباشرا ومواقف قوية تعكس صلابة جبهتنا الداخلية العصية على الاختراق.
من هنا، فإن الأردن المستهدف من قبل المشروع الصهيوني سيجد نفسه في عين عاصفة التحولات المحتملة في المرحلة القادمة، وسيكون عليه خوض معركة شرسة للدفاع عن مصالحه، ومقاومة أية محاولات لتصفية القضية الفلسطينية على حسابه. وهنا، أيضا، يمكن طرح بعض الثوابت والمنطلقات التي يجب أن تكون حاضرة أمامنا عند التعامل مع الأخطار والمبادرات التي قد تطرح بخصوص القضية الفلسطينية والمنطقة، ومنها:
اولا: يسعى اليمين الاسرائيلي إلى خلط الأوراق وجر المنطقة إلى المواجهة لحسم الصراع لصالحه، ومنع أية مشاريع سياسية جادة لإيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية، وتحديدا إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، والعمل على البديل في إقامة شرق أوسط جديد على مقاسه، وفق مخططاته التوسعية، واقتصار الجهود نحو ما يسمى بالسلام الاقتصادي، بعيدا عن أية استحقاقات سياسية، كما جرى في مرحلة ترامب الأولى.
ثانيا: ولذلك.. يجب أن يكون الأردن في حالة الاشتباك المباشر مع الحدث قبل حدوثه، ومع اي مخطط قبل تنفيذه. وأن نكون شركاء مبادرين وحاضرين على الطاولة منذ البداية، لأن أية حلول لا رأي لنا فيها ستكون، على الارجح، على حسابنا. كما لا بد من تحديد الخطوط الحمراء التي لا يمكن القبول بتجاوزها، والتي على ارتباط بأمننا واستقرارنا الإجتماعي. اي أن علينا العمل ضمن حالة «مبادرة الفعل»، وليس الانتظار للتعامل مع «ردود الافعال». ففي السياسة قد لا يكفي، ولا يجدي، ان تطرح رأيك وتذهب!. فعلاقتنا مع القضية الفلسطينية عضوية، لأسباب?سياسية، وجغرافية، وديموغرافية معروفة، تفرض علينا الحضور الدائم، بل، ولنا كل الحق في المشاركة النشطة في كافة المبادرات الشمولية ذات العلاقة (السياسية والاقتصادية والأمنية) للمنطقة، بل وتقديم المقاربات الأفضل، التي تضمن مصالح الشعب الفلسطيني والاردن العليا، في ظروف ليست الأفضل على الساحتين الإقليمية والدولية، والا اضطررنا إلى التعامل مع المبادرات الأسوأ لنا والقضية الفلسطينية على حد سواء.
ثالثا: ان أخطر ما قد يطرحه البعض هو النأي بالأردن عن كل ما يجري من حوله، والانكفاء داخليا، وكان ما يجري من أحداث لا تهمه، فهذا خيار انتحاري بامتياز، لأن المخططات الإقليمية والدو لية، عندها، ستصاغ على حسابه، لا محالة. بل علينا أن نكون شركاء فاعلين ومبادرين في كل ما يطرح بالتعاون مع اللاعبين الإقليميين والدوليين الرئيسيين. والسياسة الأردنية التي يقودها جلالة الملك، الذي يملك رصيدا دوليا واقليميا كبيرا، هي الاقدر على إدارة المرحلة القادمة بكل حرفية واقتدار، من خلال التحرك في كافة الاتجاهات، وعلى جميع الصعد. و?لدبلوماسية الأردنية لديها من الخبرة والحنكة للدفاع/عن، والمحافظة/على مصالح الأردن الوطنية الحيوية وثوابته الراسخة، وبخاصة أننا نعيش في عالم متحول لا يعرف السكون، وأن المنطقة حبلى بالصراعات والمشاريع المتناقضة، وهي مستهدفة دائما، من قوى اقليمية ودولية، بحكم موقعها وثرواتها، ومقبلة على تغييرات، سيكون لها تأثيراتها المباشرة على دول الإقليم والعالم.
وأخيرا، فإن نجاح السياسة الأردنية في مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة المليئة بالتحديات الكبرى، يحتاج إلى توحيد جهود قوى شعبنا السياسية والاجتماعية كافة، والتفافها حول قيادتنا التي تتمتع بالاحترام والحضور الدائم المقدر اقليميا ودوليا..