مقالات __ كتاب __ صوت جرش
وسط النزاعات والصراعات التي تعصف بالاقليم والمنطقة، يقف الأردن عندَ مُفترق طُرق حاسم يُهددُ استقراره وهويته الوطنية؛ فبينما يُعاني الجوار من حروبٍ وانقسامات، يواجه الأردن تحدياتٍ ضاغطة تُهدّد كيانهُ الوطني، وتضعهُ في قلبِ مشاريع إقليمية ودولية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي وتحويل الأردن إلى وطنٍ بديل، وقد بدا ذلك واضحًا بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم أمس.
فالفكرة الإسرائيلية عن "الوطن البديل" لم تعد مُجرّد طروحات سياسية وخرائط مُصرّح بها ، بل باتت خطرًا وجوديًا يُهدّد بتغيير خارطة المنطقة على حساب سيادة الأردن واستقرار شعبه. إن خطط مثل "صفقة القرن"، التي روّجت لها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته الأولى، تُجسّد اليوم هذا الخطر بوضوح، حيث تسعى لفرض تسوية قسرية تنزع الفلسطينيين من أرضهم، وتُجبر الأردن ومصر على استقبالهم بحُجة أن الحالة في فلسطين وغزة فوضوية، وذلك خدمةً لأجندات دولية وإسرائيلية لا تأبه بحقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على تُرابهم الوطني، أو بكيان الأردن وسيادته ووجوده.
لكن الأخطر من هذه الخطط السياسية هو مرافقتها لضغوط اقتصادية مقصودة؛ فتقارير البنك الدولي لعام 2024 تُظهر انخفاضًا حادًا في المساعدات الخارجية للأردن بنسبة تفوق 20% مقارنة بالسنوات السابقة ، واليوم في ظل تعليق المساعدات الامريكية للأردن، تتعمق الازمة الاقتصادية ويزيد الضغط عليه للانصياع لإملاءات تتعارض مع مصلحته الوطنية.
أمام هذه التهديدات، يُصبح الشعب الأردني الركيزة الأساسية لحماية البلاد من خلال تعزيز الوحدة الوطنية . فالمخططات لا تستهدف فقط الأرض، بل تهدف إلى تفكيك الهوية الوطنية ومسح السيادة الأردنية. لذلك، يتطلب الوضع وعيًا شعبيًا يتجاوز حدود الشعارات إلى خطوات عملية من خلال ترسيخ مبدأ المواطنة الحقيقية، تعزيز الوحدة الوطنية والتثقيف السياسي والمشاركة المجتمعية.
كما أن الوضع يتطلب تنسيقًا استراتيجيًا بين القيادة والشعب من خلال الحكومة والتي يجب أن تنتهج سياسات تنموية شُجاعة تُقلّل من التبعية الاقتصادية والتي لطاما كانت بمثابة الطعن في الخاصرة، وتوفر حلولًا مستدامة للأزمات. كما يجب أن تعزز الشفافية في مُعالجة الملفات الوطنية الحساسة، لضمان كسب ثقة الشعب.
دوليًا، ينبغي للدبلوماسية الأردنية التي نفتخر بها أن تكثف جهودها لبناء تحالفات قوية مع الدول التي تدعم سيادة الأردن وتدرك دوره المحوري في المنطقة. بل ويتوجب عليها استثمار كل السبل الدولية لتوضيح مخاطر المساس باستقرار الأردن، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على الأمن الإقليمي والعالمي.
الأردن اليوم ليس مُجرّد دولة تواجه تحديات عابرة، بل هو خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة العربية وهويتها، والتحديات التي تهدده تستدعي وقفة وطنية شاملة، تعتمد على وعي شعبي صلب، وإدارة سياسية حكيمة، وتكاتف مجتمعي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار؛ فلا خيار أمام الأردن وشعبه العظيم إلا الصمود والتصدي لكل ما يُهدد سيادته واستقلاله.
وختاماً، يبقى الأردن نموذجًا للصمود في مواجهة التحدّيات المصيرية، مدفوعًا بإرثه التاريخي ووعيه الوطني رُغمَ التهديدات السياسية والاقتصادية التي تُحاول المساس باستقراره وهويته، ويبقى الشعب الأردني درعًا حصينًا لوطنه، والقيادة الرشيدة مفتاح التوازن في الأزمات. والمرحلة الحالية تتطلب توحيد الجهود وتعزيز الوحدة الوطنية، حيث يشكل التكاتف الداخلي والاستثمار في الموارد الذاتية السبيل الوحيد للحفاظ على سيادة الأردن ودوره المحوري في المنطقة. سيبقى الأردن، كما كان دائمًا، الحِصنَ الذي تتكسر عليه المؤامرات، والقلب النابض للعروبة والمبادئ الراسخة.