هيفاء غيث
لم يعد الشرق الأوسط ذلك المكان الذي يتحدث عن المستقبل بآمال وتطلعات وردية، بل أصبح حقلًا يضج بالصراعات والأزمات المتراكمة، وبينما يعاني من جراحه التي لم تندمل بعد، زاد العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان من أعباء المنطقة المتثاقلة، فألقى بظلاله الكثيفة على اقتصاداتها، ليزيد من أوجاع الشعوب التي بالكاد تلتقط أنفاسها.
غزة... أمل يقاوم وسط الأنقاض
غزة، المدينة التي كانت تختنق بأزمات البطالة والفقر حتى قبل هذا العدوان، أصبحت اليوم تعيش على وقع الدمار والدموع، فتلاشت أحلام آلاف الأسر مع تدمير منازلها ومصادر رزقها، تاركة الأطفال والأمهات يتساءلون عن مصيرهم في ظل الحصار المستمر، فالأعمال التجارية التي كانت تكافح للبقاء، أصبحت اليوم أطلالًا تشهد على الحلم الذي تحطّم تحت وقع الصواريخ، بينما يُترك الشباب الغزي ليصارع اليأس، حيث حُرم من فرص التعليم والعمل، وأُجبر على مواجهة واقع قاسٍ ومؤلم، وكأن الفقر والبطالة لا يكفيان.
لبنان... من انهيار اقتصادي إلى حرب جديدة
أما في لبنان، فإن العدوان جاء ليضيف فصلًا جديدًا من المعاناة في بلد يعيش أحد أسوأ أزماته الاقتصادية في التاريخ الحديث، فبعد أن انهار النظام المالي والاقتصادي، أصبح اللبنانيون يشاهدون أسعار السلع الأساسية ترتفع بشكل جنوني، فيما تعجز الأسر عن تأمين قوت يومها، وبينما كانت الأنظار تتجه إلى جهود التعافي الاقتصادي، ضرب العدوان الإسرائيلي العمق اللبناني ليُضاعف الألم، حيث توقفت الحركة التجارية وتراجعت الاستثمارات، وزاد الضغط على الليرة اللبنانية التي تعيش أصعب أيامها.
الاقتصاد الإقليمي... نزيف مستمر
ولا يمكن الحديث عن اقتصاد الشرق الأوسط دون الإشارة إلى التداعيات الواسعة لهذا العدوان على المنطقة بأسرها، فالأسواق أصبحت تعاني من اضطرابات غير مسبوقة، والاستثمارات باتت تُسحب خوفًا من المستقبل المجهول، فيما يتزايد القلق بين المستثمرين والشركات من المخاطر التي أصبحت تطوّق المنطقة. فأسعار النفط، التي تعتبر شريان الحياة للعديد من الدول، تأرجحت بشكل كبير، مما أثّر سلبًا على ميزانيات الحكومات وزاد من تحدياتها الاقتصادية.
العواقب الإنسانية... قصص وجع وأمل
لكن خلف كل تلك الأرقام والبيانات الاقتصادية، هناك وجوه وقصص إنسانية تُروى، تلك الأم في غزة التي تبحث عن لقمة تسد بها جوع أطفالها ولا تجدها، وذلك الأب في لبنان الذي يحاول بأي وسيلة توفير مستلزمات الحياة الأساسية، هم أبطال حقيقيون يكافحون يوميًا للعيش بكرامة. وفي ظل هذه المحن، تبرز مبادرات التضامن والإنسانية بين شعوب المنطقة، حيث يتسابق الناس لتقديم المساعدة رغم قسوة الظروف، ليؤكدوا أن الأمل لا يموت حتى في أحلك الظروف.
رسالة إلى العالم
إن ما يعيشه الشرق الأوسط اليوم ليس مجرد أرقام في تقارير اقتصادية، بل هو نداء استغاثة من شعوب تتطلع إلى العيش بسلام وأمان، حيث أن العدوان لا يدمر المباني والبنى التحتية فحسب، بل يسحق الأحلام والآمال، ويترك جروحًا عميقة في قلوب الملايين، ومن هنا، يأتي السؤال الأكبر: إلى متى ستظل شعوب المنطقة تدفع ثمن الحروب والصراعات؟ ومتى سيأتي اليوم الذي تُسمع فيه أصواتهم المطالبة بالحرية والكرامة والعيش الكريم؟
ربما يكون الحل بعيد المنال اليوم، ولكن إذا كان هناك شيء واحد يجب أن يبقى، فهو الأمل. الأمل بأن تنتهي هذه الأيام السوداء، وأن يشرق فجر جديد يحمل في طياته وعدًا بمستقبل أفضل، ليعيش الإنسان في الشرق الأوسط حياة تليق بكرامته، بعيدًا عن الدمار والعدوان، قريبًا من أحلامه التي يستحق أن يحققها.