بدأ جيش الاحتلال انسحابه من محور "نتساريم" الذي يفصل قطاع غزة عن وسطه وجنوبه، صباح الأحد، وذلك بموجب تفاهمات تنص على إتمام عملية الانسحاب في اليوم الـ22 من بدءاتفاق وقف إطلاق النار في غزةبين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية.
أظهرت مشاهد مصورة قيام جنود الاحتلال الإسرائيلي مساء السبت بإحراق تجهيزات عسكرية أثناء انسحابهم من محور نتساريم، الذي يفصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه.
وكان جيش الاحتلال قد أنشأ محور نتساريم، الممتد من كيبوتس "بئيري" في غلاف غزة إلى البحر الأبيض المتوسط، بطول 8 كيلومترات وعرض 7 كيلومترات، بهدف عزل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وتأمين تحركات قواته بين مناطق التمركز العسكرية.
ويُعرف المحور إسرائيليًا بأنه كان مركز العمليات العسكرية التي أعقبت الاجتياح البري لقطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث لعب دورا رئيسيا في تقسيم القطاع جغرافيا واجتماعيا، مما أدى إلى عزل آلاف العائلات وتأزيم الأوضاع الإنسانية في المناطق الشمالية.
وعلق روعي شارون لقناة "كان" العبريّة، بعد قرار الإخلاء لمحور "نتساريم"، بالقول: لم يتبق الكثير من وسائل الضغط بيد (إسرائيل) في هذه المرحلة، من المتوقع أن يقوم الجيش صباح الأحد بإخلاء محور نتساريم، وبعد ذلك، ما سيبقى هو بطبيعة الحال إطلاق سراح المزيد من الفلسطينيين، مضيفًا: "عندما يقول رئيس الوزراء: "لن نتجاهل الصور المروعة التي شاهدناها اليوم"، لست متأكدًا ما إذا كان هناك أي شيء آخر يمكن القيام به للضغط على حماس"
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن المواقع تم إخلاؤها تقع شرق شارع صلاح الدين، مما يعني أن الجيش الإسرائيلي لن يبقي على أي وجود له في وسط وشمال قطاع غزة، باستثناء قوات الفرقة 162 التي تنتشر على طول المنطقة العازلة قرب الحدود.
وأشارت الصحيفة إلى أن محور نتساريم كان يمثل نقطة إستراتيجية للمناورة العسكرية الإسرائيلية، فضلا عن أهميته لدى المستوطنين الذين كانوا يطمحون للعودة إلى الاستيطان في شمال القطاع.
تحولًا إستراتيجيًا في المعركة
ومن جهته، قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري إن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من محور نتساريم يمثل تحولا إستراتيجيا في المعركة، إذ فشلت خطته في تقسيم قطاع غزة والسيطرة على شماله.
وأوضح الدويري -في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة- أن الاحتلال حاول ترسيخ وجود دائم في المنطقة، لكنه اضطر للتراجع تحت وطأة المعارك وضغوط الاتفاقات السياسية.
وأضاف الدويري أن الاحتلال وسَّع محور نتساريم ليصل عرضه إلى 80 كيلومترًا وعمقه إلى ما بين 6.5 و7 كيلومترات، وأقام 4 مواقع رئيسية مدعومة بـ4 أخرى مساندة.
ولفت إلى أنه بالرغم من بدء جيش الاحتلال إنشاء بنى تحتية لتعزيز ديمومة وجوده، فإن معظم منشآته كانت قابلة للتفكيك، مما يعكس إدراكه إمكانية الانسحاب في أي لحظة.
وبيّن أن الاتفاق الأخير يفرض على الاحتلال الخروج من نتساريم نهائيا، كما شدد الخبير العسكري على أنه لن يتمكن من البقاء في محور فيلادلفيا أو المنطقة العازلة لاحقًا.
ولفت إلى أن الخطة الإسرائيلية كانت تهدف للسيطرة على المناطق الشمالية لغزة في مرحلة أولى، لكن المقاومة فرضت واقعا مغايرا أدى إلى إعادة الحسابات.
وأشار الدويري إلى أن الاحتلال قد يحاول المماطلة أو التأخير في تنفيذ الانسحاب، لكنه في النهاية مُلزم بإخلاء الموقع بحلول اليوم 22 من الصفقة والذي يوافق غدا الأحد .
وحول التداعيات المحتملة للانسحاب، أوضح أن ذلك سيسهل حركة المواطنين، خاصة في ظل الحصار الذي فُرض بفعل سيطرة الاحتلال على المحور.
لكنه شدد على أن الأهم هو إعادة السيادة -ولو جزئيًا- إلى الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن المشهد الحالي يختلف جذريا عن حسابات الاحتلال الذي أراد فرض واقع سياسي جديد.
واعتبر أن الانسحاب ليس مجرد خطوة عسكرية، بل يحمل أبعادا سياسية وإستراتيجية، إذ يعكس إخفاق الرؤية الإسرائيلية تجاه غزة، ويؤكد أن إرادة المقاومة والتفاوض يمكن أن تفرض معادلات جديدة على الأرض.
وبدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بغزة يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ويتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، يتم في الأولى التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة كل من قطر ومصر والولايات المتحدة.