بعد عام على "طوفان الأقصى"، على أنقاض ما تبقى من غزة، يبدو الكلام عن "حلّ الدولتين" ترفاً لا يمكن أن يتحمله من فقدوا أكثر من 60 ألف قتيل، ونحو 100 ألف جريح. هذا ما أراد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن يوصل الفلسطنيين والعرب والعالم إليه: إحصاء عدد الضحايا، والانشغال بأعمال الإغاثة، والعمل في الحد الأقصى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحد الأدنى.
بدأت مغامرة "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتلتها مغامرة "حزب الله" بعد يوم تحت شعار "نصرة غزة ومشاغلة الجيش الإسرائيلي"، ثم تطور الأمر إلى "وحدة الساحات" أو وحدة الساحتين، إلى أن بلغنا الآتي: دمار غزة كلها، وتراجع الاهتمام الدولي بوقف النار هناك، بعد الوقوف على مشارف حرب إقليمية واسعة انطلاقاً من جنوب لبنان.
كان الوهم السائد أن تل أبيب لا تحارب في جبهتين، فنام "حزب الله" على حرير "قواعد الاشتباك" المضبوطة، وما تنبّه إلى أن إسرائيل تنتهز فرصة الدعم الدولي الذهبية لتضرب ضربتها، بعدما حشرتها مغامرة "حماس" في خانة "الدفاع عن النفس". كرّت سبّحة العمليات الإسرائيلية "الدقيقة" في لبنان، وذهب ضحيتها كبار قادة "حزب الله"، إلى أن تمكنت تل أبيب من اغتيال أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله نفسه، فصحا المحور كله من سكرة فائض قوة "حزب الله".
ربما الرجاء اليوم أن تحسّن هذه الصحوة التفكير في "اليوم التالي" للحرب في الجبهتين: الفلسطينية على قاعدة "حلّ الدولتين" للتوصّل إلى تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بناءً على المبادرة العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله في قمة بيروت في 27 آذار (مارس) 2002 بشأن ربط تطبيع العلاقات الإسرائيلية - العربية بانسحاب إسرائيل إلى حدود 4 حزيران (يونيو) 1967؛ واللبنانية على قاعدة "حلّ القرارين"، أي القرار الدولي 1701 لتسويةٍ تنهي الصراع اللبناني – الإسرائيلي، والقرار الدولي 1860 لإنهاء التباس مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فتنتهي معه مسألة الحاجة إلى المزيد من التحرير، وبالاستعانة طبعاً بمفاعيل الهدنة المعقودة في عام 1949.
وهكذا، بحلّ الدولتين وتنفيذ القرارين، نسير نحو "اليوم التالي" في الجبهتين، علّنا ننجو في الطريق إلى "شرق أوسط جديد"، محفوف بمشاريع اقتصادية كبرى. وإلا، نُسرع الخطى نحو "العام التالي" لحرب لن ينتفع منها إلا نتنياهو.