أصدر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" تقريرا موسعا بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على الفقر، مسلطا الضوء على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق الجهود المبذولة لمكافحة الفقر في الأردن، مشددا على أن الفقر لا يزال يمثل تحديا كبيرا، وأن أحدث التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من 35% من السكان، أي ما يعادل 3.98 مليون شخص، يعيشون تحت خط الفقر، وذلك حسب تقرير "أطلس أهداف التنمية المستدامة 2023" للبنك الدولي، ما يعكس ارتفاعا غير مسبوق يستدعي مراجعة جادة للاستراتيجيات الحكومية الحالية.
وأشار التقرير إلى أن آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة نفذته دائرة الإحصاءات العامة في 2017 - 2018، أظهر أن ما يقرب من 16% من الأردنيين، أي من 1.069 مليون شخص كانوا يعيشون تحت خط الفقر حينها، وأن هذه الأرقام لا تعكس الواقع الحالي، حيث لم يتم تحديث معدلات الفقر منذ سنوات طويلة، رغم سلسلة الأزمات التي اجتاحت الأردن، بدءًا من جائحة كورونا في عام 2020، وصولًا إلى موجات التضخم في 2021 وتداعيات الصراعات الإقليمية والعالمية.
وأبرز التقرير أن الحكومة كشفت في تصريحات عام 2021 عن ارتفاع نسبة الفقر إلى 24%، ما يعني أن ثلث الأردنيين تقريبا قريبون من خط الفقر، سواء كانوا أدنى منه أو أعلى بقليل، ويشير التقرير إلى أن خط الفقر للأسرة المعيارية المكونة من 4.8 أفراد قدر في عام 2021 بحوالي 500 دينار شهريا. أما في عام 2023، فقد أشار تقرير البنك الدولي أن خط الفقر الوطني للفرد الواحد في الأردن يبلغ 7.9 دولارات يوميا، أي ما يعادل 5.6 دينار (حوالي 168 دينارًا شهريا)، وبالنظر إلى أن متوسط حجم الأسرة الأردنية هو 4.8 فرد، فإن خط الفقر للأسرة المعيارية أصبح 806 دنانير شهريا.
عوامل تفاقم الأزمة
يعزو التقرير تفاقم الفقر إلى عدة عوامل، أهمها تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة الأزمات العالمية والإقليمية، وعلى رأسها جائحة كورونا والتوترات في المنطقة، هذا التباطؤ قلل من فرص خلق الوظائف، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت 21.4%، في حين وصلت نسبة البطالة بين النساء إلى 31%، وهي من أعلى المعدلات في المنطقة، كما يشير التقرير إلى أن الفجوة في الأجور بين الجنسين تصل إلى 16% لصالح الرجال، مما يفاقم أوضاع الأسر التي تعولها نساء.
وإلى جانب التحديات الاقتصادية، أشار التقرير إلى أن الأردن يعتمد على استيراد 80% من احتياجاته الغذائية، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، ومع ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية على المستوى الدولي، ازدادت معاناة الأسر الفقيرة التي تجد صعوبة متزايدة في تلبية احتياجاتها اليومية، ويشير التقرير إلى أن هذه الأزمات المتراكمة زادت من الضغوط على دخل الأسر، خاصة في ظل عدم زيادة الأجور بما يتناسب مع التضخم.
استراتيجيات غير فعالة
وتناول التقرير الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2019 - 2025، التي أطلقتها الحكومة بهدف بناء منظومة حماية اجتماعية شاملة، مشيرا إلى أنه رغم أن الاستراتيجية كانت تهدف إلى تحصين الأردنيين من الفقر وتمكينهم من العيش بكرامة، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة، لا بل لم يتم تنفيذ معظم محاورها.
ودعا التقرير إلى مراجعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، مشيرا إلى أنها ركزت على تقديم المساعدات المالية فقط، دون أن تقدم حلولا مستدامة لانتشال الفئات الفقيرة من وضعها، مشددا على أهمية تبني مقاربة شاملة في الاستراتيجيات التي تستهدف الحد من الفقر، تأخذ في الاعتبار العوامل المختلفة التي تساهم في استمرار الفقر، مثل البطالة، التعليم، الصحة، والضرائب، وعلى أهمية إطلاق مشاريع تشغيلية وإنتاجية في المناطق الفقيرة، وتعزيز البنية التحتية للخدمات الأساسية، مع توسيع نطاق التأمين الصحي الشامل ليشمل جميع المواطنين بغض النظر عن حالتهم الاقتصادية.
فرص التصدي للفقر
ورغم التحديات، أشار التقرير إلى أن هناك فرصا حقيقية لتحسين الأوضاع من خلال تحفيز الاستثمار في القطاعات التي تخلق فرص عمل جديدة، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما دعا إلى ضرورة توسيع شبكة الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر هشاشة، مثل العمالة غير الرسمية، التي تشكل حوالي 50% من القوى العاملة في الأردن، حيث يفتقر هؤلاء العمال إلى الحماية القانونية والاجتماعية، ويعملون في ظروف غير مستقرة.
وأبرز التقرير أهمية الاستثمار في التعليم والتدريب المهني، حيث يعد التعليم أحد الأدوات الفعالة لكسر دائرة الفقر وتمكين الأفراد من الحصول على وظائف مستقرة ودخل مستدام، ولفت إلى أن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص يمكن أن يكون جزءا أساسيا من الحل، من خلال توفير فرص عمل جديدة وتطوير مهارات الأفراد.
في ختام التقرير، دعا "بيت العمال" الحكومة إلى التحرك بشكل عاجل لمراجعة السياسات القائمة، وتحديث البيانات المتعلقة بالفقر وظروف العمل، على اعتبار أن غياب المعلومات المحدثة يشكل عائقا أمام اتخاذ قرارات مبنية على حقائق دقيقة، وأكد التقرير على ضرورة العمل المشترك بين جميع الأطراف المعنية لضمان توفير بيئة عمل لائقة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين جميع الأردنيين من العيش بكرامة.